الغموض في النصوص الشرعية والقانونية (1 من 2)

يعتبر الغموض في النصوص الشرعية والقانونية مشكلة قائمة ولا يشعر بها إلا من تعامل معها سواء في الأوساط القضائية أو التشريعية أو السلطات التنفيذية، والحقيقة أن أبرز سبب لهذا الغموض هو وجود الألفاظ المحتملة المشتركة ذات المعاني المتعددة وما أكثرها في اللغة، وقد يأتي الغموض من أسلوب النص نفسه مثل ما ورد في نظام تسوية المنازعات المصرفية، فكلمة (تسوية) هل معناها الفصل في النزاع أم تسوية بين الطرفين من دون حكم، والإشكال أن تقرير وضوح النص أو غموضه عملية تقييم شخصي تختلف باختلاف فطنة المفسر للنص النظامي، فقد يبدو النص واضحاً لمفسر، ويبدو غامضاً لآخر أقل منه فطنة، لذلك فإن عملية التفسير هي الكفيلة ببيان غموض النص من وضوحه، ما يعني أن عملية التفسير عمل سابق على الحكم على النص بالوضوح أو الغموض، وأسباب غموض النصوص في الأنظمة والقوانين تتلخص في الآتي:
أولاً: الغموض الذي يقتضيه فن الصياغة النظامية.
ثانياً: الغموض الذي تقتضيه طبيعة الموضوع.
ثالثاً: الغموض الذي تقتضيه طبيعة اللغة ذاتها.
أولاً: الغموض الذي يقتضيه فن الصياغة النظامية
إن فن الصياغة النظامية هو مجموعة الوسائل والقواعد المستخدمة لصياغة الأفكار القانونية والأحكام التشريعية بطريقة تيسر تطبيق القانون من الناحية العملية، وذلك باستيعاب وقائع الحياة في قوالب لفظية تحقق الغرض المنشود من السياسة القانونية.
وأهم صفات حسن الصياغة ما يلي:
1 - أن تكون الصياغة شاملة لما يراد تنظيمه حالاً من العلاقات القانونية وإلى ما ينتظر وقوعه في المستقبل بحيث لا تكون العبارات تحدد مضامين الوقائع المعاصرة دون النظرة المستقبلية المتجددة.
2 - أن تكون العبارات دقيقة تقرر حلولاً ثابتة غير متغيرة.
3 - أن تكون سهلة التطور في المراد منها بأن تتوافق مع المراكز المادية التي يمكن أن تظهر في الجماعة، فالتشريع السليم هو الذي يختار الصيغ الملائمة للوقائع التي ستطبق عليها القاعدة القانونية، فإذا كانت مما يتطلب الحسم والصرامة فلا بد أن تتصف الصياغة بالجمود مثل تحديد العقوبات في الجرائم، أما إذا لم تتطلب الحسم والصرامة فتتصف بالمرونة التي بدورها توسع سلطة من يتولى تطبيق القاعدة النظامية مثل العقوبات التأديبية في المخالفات الوظيفية.
ثانياً: الغموض الذي تقتضيه طبيعة الموضوع.
قد تقتضي طبيعة الموضوع الذي يعالجه المنظم أن يتحاشى التعرض لأدق التفاصيل فيه لما يتميز به من الاتساع وعدم الدقة، وقد يتعمد المنظم ذلك أيضا لما تقتضيه أمور سياسية أو اجتماعية فيبتر النص أو يصوغه بلغة مبهمة ويترك للقضاء استخلاص المعنى المقصود مع الزمن وعند حدوث الوقائع.
ثالثاً: الغموض الناتج عن القصور في اللغة والتعبير.
إذا ورد في النص النظامي لفظ أو عبارة مما يحتمل أكثر من معنى واحد نتج لدينا غموض في النص ناتج عن قصور في اللغة أو التعبير، ما يستدعي اللجوء إلى التفسير لمعرفة المقصود الحقيقي والأقرب لمراد النص، كاللجوء إلى تعريف مصطلح الرجاء والوساطة في الشفاعات بالعمل، ويمكن أن يقسم النص من حيث الوضوح والغموض كما قرره الفقهاء إلى الآتي:
أولاً: النص الخفي
وهو ما اشتبه معناه وخفي مراده بعارض غير الصيغة الأساسية، ويعتبر سبب منشأ الغموض في النص الخفي هو تخصيص بعض الأفراد باسم خاص به أو زيادة في بعض الأفراد أو نقصان. إن هذه التسمية الخاصة أو الزيادة أو النقص تحيط اللفظ بالاشتباه، فيصبح اللفظ الظاهر في الدلالة على معناه خفياً بالنسبة إلى هذا الفرد المطلوب معرفة حكمه، ولهذا يتطلب حكم الخفي النظر والبحث والتأمل ليعلم المجتهد في النص مكمن الخفاء ويعمل على إزالته عن طريق الرجوع إلى النصوص المتعلقة بالمسألة المقصودة ومراعاة التعليل ومقاصد الشريعة. ومن أمثلة الخفي في كتاب الله تعالى قوله سبحانه (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما). إن لفظ السارق ظاهر في الدلالة على معناه وهو أخذ المال المتقوم المملوك للغير خفية من حرز مثله. فكل من انطبق عليه هذا المعنى عد سارقاً وطبق عليه الحكم، فلفظ السارق ظاهر فيه غير خفي، لكنه خفي في المتسول وهو الذي يأخذ المال من الناس بمهارة وخفة في يقظتهم.
ثانياً: النص المشكل
المشكل هو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعاني لدقة المعنى في نفسه لا يعارض. والفرق بين المشكل والخفي هو أن الخفاء في المشكل يأتي من ذات اللفظ ولا يفهم المراد منه ابتداءً إلا بدليل من الخارج، أما الخفي فمنشأ خفاؤه من التطبيق. وللحديث بقية صلة في المقال القادم - بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي