Author

من أجل زيادة توطين العمالة لا بد من توطين الأعمال

|
لا بد أن نعي أنه لا يمكن توطين العمالة في سوقنا للمستوى الواجب الوصول إليه والمتوقع أن يسهم في تقليل مستوى البطالة بشكل مستمر، إلا بتوطين الأعمال وتوسيع مشاركة مؤسساتنا الوطنية في الاقتصاد الوطني في أكثر القطاعات توظيفاً سواء كانت صناعة، مقاولات أو خدمات، آخذين بعين الاعتبار استمرار زيادة دخول القوى العاملة الوطنية للسوق نتيجة التعليم والتدريب من الجنسين الشباب والبنات. ولقد اكتشفت حكومتنا منذ البداية هذه الحقيقة وأصدرت كل الأنظمة المنظمة لها، فأصدرت الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء المتعلقة بإعطاء الأولوية للصناعات الوطنية وللمقاولين المحليين وهكذا.. وشجعت على إنشاء وتطوير القطاع الصناعي حتى وصل حجم الاستثمار فيه إلى نحو 500 مليار ريال، وعدد المصانع إلى نحو خمسة آلاف مصنع. وتطورت شركات المقاولات الوطنية والخدمات حتى وصل عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص إلى نحو 800 ألف مواطن ومواطنة، وقد وظف القطاع الخاص في عام 2010م ما يقارب 150 ألف مواطن ومواطنة.. ومع ذلك فالحاجة ماسة لفرص عمل أكثر.. والمفروض أن يوفر القطاع الخاص ما لا يقل عن 300 ألف فرصة عمل للمواطنين سنوياً لمواجهة معضلة البطالة المتزايدة.. فكيف يمكن الوصول إلى هذا العدد من فرص العمل؟ إن سوق المملكة من أنشط الأسواق في المنطقة في كل قطاعاته خاصةً في قطاع تطوير البنية التحتية من كهرباء وطرق وإسكان ومدارس وجامعات وكذلك في القطاع الصناعي سواء كان للبترول أو الغاز أو البتروكيماويات.. وكلها مشروعات حكومية ببلايين الريالات سنوياً، هذا إلى جانب كل المشاريع للقطاع الخاص.. ودائماً يتساءل المواطن العادي: ما الفائدة المتوقعة المباشرة لي وأنا أرى الملايين من العمالة الأجنبية والشركات الأجنبية التي تستورد احتياجاتها من الخارج تستحوذ على كل مزايا هذه المشاريع! فالمواطن يتوقع أن مثل هذه المشاريع عندما تطرح تفتح له فرص عمل مغرية في كل مناطق المملكة وخاصةً النائية منها والتي تشتكي من البطالة المرتفعة، ورجل الأعمال يتوقع أن يحصل على جزء رئيسي من هذه الأعمال لمصانعه وشركاته. هنا أجد نفسي متفقاً مع هذا المواطن الذي يسمع كل هذا الضجيج والأرقام المرتفعة وهو عاطل عن العمل، وكثيراً ما يتوقع الجميع من شركاتنا سواء كانت مصانع أو شركات مقاولات أن توفر فرص عمل لهؤلاء الشباب.. وكذلك هناك من يتوقع من مصانعنا زيادة أعداد المواطنين في خطوط إنتاجهم وإداراتهم.. وهذا واجب ولا بد من العمل عليه من كل الأطراف سواء كانت الحكومة كمالكة للمشاريع، أو وزارة العمل كمسؤولة عن توطين العمالة، أو القطاع الخاص كموفر لفرص العمل. السؤال الرئيسي هو: كيف يمكن توطين العمالة وتوفير فرص العمل في كل هذه القطاعات؟ يجب علينا أن نقتنع بأنه لا بد من توطين الأعمال من أجل زيادة فرص العمل للمواطنين سواء كان باستخدام المنتجات المحلية أو بترسية المشاريع على عدة شركات مقاولات وطنية. وهذا ما تقوم به كل دول العالم، ومن أجل تحقيق ذلك تعتمد هذه الدول على الخطوات التالية لتحقيق توطين العمالة: 1 - منع الاستقدام تماماً إلا ما ندر مع أن أكثر هذه الدول المذكورة تشتكي من ندرة العمالة الفنية والمدربة، إلا أن حكوماتهم توجه القطاع الخاص بتدريب شبابهم وبناتهم ولا يتوقعوا الموافقة على الاستقدام، وفي المقابل ترسى كل المشاريع الحكومية على شركاتهم الوطنية فقط وهذا ما لا نتوقعه في بلدنا وليس من صالح تنميتنا أن نمنع الاستقدام. 2 - فرض رسوم جمركية عالية قد تصل إلى 30 في المائة (كم في الهند وماليزيا؟) أو 20 في المائة عند الآخرين لحماية المنتج الصناعي المحلي وإعطائه فرصة لزيادة الإنتاج والتوسع، مما سيفتح فرص عمل جديدة. وأيضاً هذا غير متوقع لدينا... فالسوق مفتوح على مصراعيه دون حماية جمركية أو حماية مواصفات... لذا ففرص العمل في القطاع الصناعي محدودة وبالطاقات الإنتاجية التي تحققت في الوقت الراهن، ولا توجد فرصة للتوسعات لمنافسة المستوردات من الخارج. 3 - توقيع كل عقود تنفيذ المشاريع الحكومية والخاصة في الدول الأخرى على شركات وطنية فقط وتفرض عليها نسب عالية من المواطنين للعمل لديها، وهذا بالإمكان تطبيقه في المملكة مع الاهتمام بتدريب الشباب وإعدادهم، أما أن تطرح المشاريع للأجانب أو الشركات المتسترة أو لشركات محددة معينة بحجة عدم وجود شركات مؤهلة وطنية، فهذا لن يوفر فرص عمل لشبابنا ولا يمكن أن نتوقع من الشركات الوطنية فتح فرص عمل جديدة. وإنني أتمنى من أي مسؤول أن يقدم لنا تقريرا عن مشروع من مشاريعه في كل القطاعات عدا الكهرباء والصناعات البترولية والبتروكيماوية ذات التقنية العالية، ويثبت التقرير أن الشركات الأجنبية التي كلِّفت ببناء طرق أو مبان أو جسور أو مدارس أو جامعات قد أتمت مشاريعها حسب العقد وفي الوقت المحدد. إن المعلومات المتوافرة بأن نسبة فشل هذه الشركات الأجنبية كثيرة، فإنني أتمنى من لجنة المقاولين في مجلس الغرف السعودية أو في الغرف الأخرى زيارة المواقع في كل المناطق ورفع التقارير لخادم الحرمين الشريفين مباشرةً وللأجهزة الرقابية الحكومية، وستجدون أن فشل المشاريع المرساة على الشركات الأجنبية واضح وضوح الشمس، بعكس ما تقوم به الشركات الوطنية للمقاولات، وهنا نتحدث عن الشركات الوطنية السعودية غير المتسترة سواء كانوا أفرادا أو شركات التي نادراً ما تتأخر. إن قرار توطين عقود البناء والإنشاءات يجب أن يتزامن معه منع هذه الشركات السعودية من الاتفاق مع شركات أجنبية من الباطن، وأن أي عقد من الباطن مع الشركات الوطنية الأصغر حجماً يجب أن يلزم بنسب التوطين المتوقعة من وزارة العمل نفسها، نظراً لميزة توجيه الأعمال لهم فقط. 4 - الالتزام في دول العالم أجمع باستخدام المنتجات الوطنية في كل مشاريع الدولة لضمان بقاء الأموال محلياً وخلق فرص عمل جديدة، ولقد قامت حكومتنا – جزاها الله خيراً – بإصدار القرارات اللازمة، لذلك لكن مع الأسف فإن هناك تجاهل واضح لهذه القرارات والأوامر سواء من بعض الشركات الوطنية أو الشركات الأجنبية المنفذة التي تعودت أن تستورد كل ما تحتاج إليه من بلدها متجاهلة كل هذه القرارات، بحجة أن نظام حكوماتهم يفرض عليهم ذلك. إن هذا الإلزام مطبق في دول مثل أمريكا وأوروبا والعالم النامي... وهذا لا يتعارض مع أنظمة التجارة العالمية، ولهذه القرارات فوائد كثيرة: 1 - توسع هذه المصانع المحلية وزيادة فتح فرص عمل. 2 - انتقال الموردين الأجانب للإنتاج في المملكة لضمان استخدام منتجاتهم، مما سيزيد فرص العمل. 3 - تتوسع الطاقات الإنتاجية لكل المصانع وتزداد المنافسة وتقل الأسعار للمواطن العادي. 4 - مع زيادة الإنتاجية تزداد فرص التصدير للأسواق المجاورة. 5 - سهولة تطبيق شروط وزارة العمل بالنسبة للتوظيف مع زيادتها دورياً، نظراً لتوسع ونشاط هذه المصانع. 6 - ولتحقيق زيادة فرص العمل للمواطنين على القطاع الخاص وغرفه التجارية متابعة تنفيذ هذه الأوامر الملكية والقرارات الوزارية التي تجاهلها كثير من المسؤولين وتلاعب حولها كثير من الفاسدين، بأن تقوم كل لجنة وطنية متخصصة في قطاع معين في الغرف التجارية بمتابعة تنفيذ القرارات الخاصة بها، وذلك بتكوين فرق عمل متخصصة منها للصناعة أو المقاولات أو الخدمات أو غيرها، وبتكليف عدد من الأعضاء النشطاء من هذا القطاع للمتابعة، مع تعيين مستشار قانوني متخصص للمتابعة القانونية مع الوزير المختص أو إدارة المشاريع. ولضمان رفع الشكاوى القانونية ضد الجهة المتجاهلة لأوامر القيادة أو حتى لديوان المظالم، وهو المختص بنظر أي مخالفة لأوامر ملكية أو قرارات مجلس الوزراء. وإنني على يقين ومن تجربتي الشخصية أنه عندما تصل المعلومة للمسؤول سواء كان وزيراً أو مديراً للمشاريع... ستجد الإجابة في أغلبية الأحيان. وإذا عرف الجميع أن هناك متابعة جادة فالنتائج ستكون رائعة. 7 - إن وجود المستشار القانوني مع اللجنة في غاية الأهمية لضمان موضوعية الإجراءات وإعطاء الانطباع الصحيح بأننا أصحاب حق وسنتابع تطبيق هذه الحقوق من خلال القيادة ومن خلال القضاء وأجهزة محاربة الفساد مثل ديوان المراقبة العامة وهيئة مكافحة الفساد والمباحث الإدارية وغيرها. إن أهمية متابعة هذه القرارات والحقوق نابعة من أهمية وجدية تطبيق الأنظمة المتعلقة بالتوطين الآن من قبل وزارة العمل، فمن أجل توطين أكبر لا بد من فتح فرص عمل أكثر من خلال توطين استخدام المنتج المحلي بأسلوب أفضل. أي لا بد للقطاع الخاص من المطالبة بصيانة حقوقه من أجل تحقيق تطلعات الحكومة في زيادة أعداد العاملين في القطاع الخاص. لقد قام مجلس الغرف مثلاً بتكوين فريق عمل لمتابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالصناعة المحلية من خمسة أعضاء صناعيين وتم تكليفي برئاستها، وتم تعيين مكتب استشاري متخصص لإعداد المذكرات القانونية والمخالفات والرفع للمسؤولين، ويتحمل مصاريف فريق العمل الصناعيون مباشرة. وقد بدأ فريق العمل المكلف بمتابعة تنفيذ القرارات المتعلقة بالصناعة الوطنية بحصر كل الأوامر والتعليمات ودراستها ومن ثم تم الرفع لمعالي وزير المالية طالبين منه إصدار تأكيد جديد للجميع على أهمية تطبيق الأنظمة، وتم ذلك بالفعل من قبله مشكوراً (وسيقوم فريق العمل بنشر إعلان خاص بذلك)، مما يؤكد اهتمام حكومتنا بهذا الأمر، ويؤكد أن هذا المطلب لا يتعارض مع أنظمة التجارة العالمية التي استمر بعض المسؤولين في تكرارها للتهرب من التطبيق وأنها واجبة التطبيق. إن جميع الصناعيين لهم الرغبة الأكيدة في التوسع وزيادة توطين العمالة في مشاريعهم، لأن عدم التوطين أصبح يؤثر في عملهم وخاصة بعد تطبيق نظام نطاقات، فالكل يريد أن يصبح في النطاق الأخضر، ولكن كيف يمكن أن يوطنوا وهم ينافسون المصانع الأجنبية غير الملتزمة بأي شروط، ولها الحقوق والمزايا نفسها في سوقنا؟ من هنا جاءت أهمية متابعة تنفيذ هذه القرارات الحكومية دون تردد، لأنه حق من حقوقهم اعتمدته القيادة... فلمصلحة من هذه المخالفات؟ لا يمكن الاعتذار بحجة الأسعار (لأن المصانع المحلية أقل تكلفة) ولا بالنوعية (لأن المنتجات المحلية أكثرها قبلت في السوق المحلي واعتمدت في القطاع الخاص وانتشرت على المستوى العالمي). إن النتائج الأولية لعمل فريق العمل في مجلس الغرف تشجع على توسيع التجربة لكل القطاعات سواء كانت مقاولات أو خدمات... لقد وجدنا تجاوباً واضحاً من كل المسؤولين في الوزارات والشركات التابعة للحكومة... واستطاع فريق العمل أن يلاحق المخالفات المتعلقة باعتماد مواصفات مخالفة للمواصفات السعودية في بعض المشاريع، وأدى ذلك لتغيير المواصفة الأجنبية إلى المواصفة للمنتج السعودي، مما أعطى الفرصة للمنتج السعودي للمنافسة وأدى ذلك لتحويل مئات الملايين من الريالات لسوقنا المحلي... مع العلم بأن المنتج المحلي إذا أعطي الفرصة سيكون في أكثر الأحيان أكثر منافسة من الأجنبي، ولكن كان بالإمكان منعه من الحصول على حقه من خلال اعتماد المواصفات الأجنبية، ولقد وجدنا أن هذا هو الأسلوب الذي تتبعه أكثر المكاتب الاستشارية الأجنبية في توصيف مشاريعنا لضمان تسويق منتجاتهم الأجنبية، وكذلك اتضح لنا أنه بمجرد إشعار مديري المشاريع السعودية بالمخالفة يقومون وبسرعة بتصحيح الوضع. إن المطلوب الآن من جميع رجال الأعمال التوقف عن الشكاوى الفارغة والسلبية المعهودة فيهم وأن يكوِّنوا فرق العمل لقطاعاتهم تحت قيادة اللجان في مجلس الغرف لمتابعة حقوقهم، ولضمان زيادة فرص العمل لشبابنا، لأن كل قطاع سيواجه مشكلة التوطين حسب النسبة المقررة من وزارة العمل، التي ستزداد كل سنة. على رجال الأعمال أن يتابعوا حقوقهم التي اعتمدتها حكومتهم لهم، وذلك لتوسع أنشطتهم وفتح فرص عمل لمواطنيهم باستمرار. إن سهولة توطين العمالة لا تتم إلا مع توطين الأعمال... رأيتها بنفسي في كل من كوريا والهند وماليزيا وتركيا التي وطنت أعمالها وعمالتها، وهي كلها كانت تشتكي البطالة وقلة العمالة الفنية، والآن أصبحت مصدرة لهذه العمالة... فلقد استطاعوا تحويل كل مصانعهم وشركاتهم إلى مراكز تدريب على رأس العمل لجميع المواطنين، لأنهم وجهوا كل أعمالهم وحاجياتهم للمنتج المحلي. وأخيراً... رسالتان قصيرتان لصاحبي المعالي وزيري التجارة والصناعة والعمل: إن مسؤوليتكم كبيرة في متابعة توطين العمالة وتوطين الأعمال.. فبالنسبة لمعالي وزير التجارة والصناعة أنه بمجرد اقتناع المستثمر الأجنبي بأن بلدنا جاد في تطبيق القرارات المؤيدة للصناعة الوطنية سينتقل هذا المستثمر لسوقنا بدلاً من الأسواق المجاورة أو بلده البعيد، وهذا سيساعد الوزارة في تحقيق الأهداف المرجوة للخطة الصناعية المعتمدة وتزداد أعداد المصانع وفرص العمل. أما بالنسبة لمعالي وزير العمل.. فإن توطين الأعمال يعطي الوزارة قوة واضحة لزيادة النسب المطلوبة للعمالة الوطنية وكذلك زيادة فرص العمل لها، لأن زيادة فرص العمل والتوظيف العملي لن يتم فقط بالمنع من الاستقدام وإنما بفتح فرص عمل جديدة وحجزها للمواطنين، والله الموفق. رجل أعمال ومستثمر في القطاع الصناعي
إنشرها