وقفات حول الأوقاف الجامعية

عند بناء مركز الملك فهد الإسلامي في لوس أنجلوس كان اقتراحي لبعض الإخوان، أن يُبدأ ببناء عمارة وقفية قبل بناء المركز نفسه، حيث لا توجد جهة تدعم المركز بصورة دائمة، فالهبات والعطايا دائماً ما تكون محددة بزمان وأشخاص، قد يقل حماسهم، أو تضعف أحوالهم. لذا حول أهمية الأوقاف (وبالأخص الجامعية منها) كان لا بد من وقفات وتأملات حول هذه المشاريع الاستثمارية الجديدة على مجتمعنا:
1) على نطاق الجامعات العالمية، لا تكاد ترى جامعة إلا ولها أوقاف خاصة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، جامعة هارفارد التي تعد أكبر جامعة عالمية، لديها أوقاف تصل قيمتها إلى 35 مليار دولار، ويصل دخلها السنوي إلى قرابة 2.5 مليار. فهذه الأرباح تفوق رسوم التسجيل والتبرعات السنوية.
2) أجادت إدارة جامعة الملك سعود خلال السنوات الأربع الماضية في تحويل جزء من الأراضي غير المستقلة إلى مشاريع استثمارية وقفية، وهذا وإن كان مشروعا متواضعا وقد لا يخلو من العيوب والملاحظات، لكنه يعد بداية جيدة في دعم مستقبل الجامعة، كما أنه من أهم إنجازات إدارة الجامعة، فالوقف الجامعي من وجهة نظري هو ضرورة من الضرورات، لذا ينبغي على جميع الجامعات والمؤسسات الثقافية والخيرية أن يكون لهم أوقاف خاصة، يمكن الاستفادة من ريعها في وقت الأزمات.
3) الأمر الذي نخشاه ألا نقع في الأخطاء نفسها التي وقعت بها بعض الدول العربية في جعل إدارة الأوقاف الخاصة تحت مظلة وزارة الأوقاف، حيث أدى هذا الإجراء إلى تلف بل وأد للكثير من المشاريع الوقفية في العالم العربي. فالمنهج الإسلامي في موضوع الأوقاف يرتكز على أن الوقف هو "نية فاعل خير في دعم نشاط معين". لذا فلا ينبغي أن تحول الميزانية المخصصة لنشاط ما لتغطية أعباء مالية في مؤسسة كبيرة قد أتخمتها البيروقراطية والفشل الإداري. لذا فهنالك حاجة ماسة إلى نظم جيدة للوقف الجامعي وضرورة استقلاليته، حيث لا بد من تحديد وتوسيع أهدافه، فمن حق المتبرع أن يوجه أوقافه لخدمة مجال معين بذاته، فهذا إن وجد سوف يفتح المجال للتبرعات الخيرية لدعم المشاريع الوقفية في الجامعات، كما أنه من حق المتبرعين وورثتهم أن يتابعوا ويراقبوا نشاط الأموال التي أوقفوها.
4) نظرا للتوسع في بناء الجامعات حجما وعددا، والذي سوف يرفع تكاليف تشغيلها وصيانتها المستقبلية، فهنالك اقتراح موجه لوزارتي المالية والتعليم العالي، خصوصا في ظل الوفرة المالية: لماذا لا تكون هنالك أموال معينة من الميزانيات الخاصة بإنشاء الجامعات وتوسعتها، تخصص لتأسيس وتطوير الأوقاف الجامعية؟ فلو أن كل جامعة خصص لها ربع المبالغ التي تصرف في إنشائها وتطويرها لبناء وشراء أوقاف خاصة، يصرف ريعها في الوقت الحاضر لتطوير الوقف، وهذا ما وجه به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عند بناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية حيث خُصص مبلغ 25 مليار ريال لتكون أوقافا لتشغيل تلك الجامعة الفتية تديرها شركة استثمارات مملوكة بالكامل للجامعة. هذا والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي