الاستمتاع بمحطة الطريق ومحطة الوصول

يبدو أن حال الطرق لدينا كحال الجسد عند البعض منا، فهو يهلك جسده في طريقه للوصول إلى محطة السعادة سواء في جمع المال أو في تغيير الحال وفي أي شيء يريد الوصول إليه، ولذا فهو لا يستمتع في طريق الوصول، بل يظل ينهك بدنه ويمني نفسه بأنه إذا استراح في محطة الوصول سيسعد ويستمتع، لكن في كثير من الأحيان يتعب في أثناء الطريق فيهلك.
وفي خطوة تعد في مصلحة الطريق بعد أن أتعبنا المسير فيه في كل اتجاه وأفقدنا متعته، جاء قرار مجلس الشورى الأسبوع الماضي ليحسم الجدل الذي تم بين أعضائه بشأن الجهة التي من المقرر أن يخوّل لها مسؤولية الترخيص والمراقبة والإشراف والمتابعة على مراكز الخدمة ومحطات الوقود على الطرق التي تشرف عليها وزارة النقل داخل المدن وخارجها، بأن تكون وزارة الشؤون البلدية والقروية هي المرجع، على أن تنتقل هذه المرجعية ومسؤولية الإشراف الكامل إلى هيئة عامة مستقلة لمراكز الخدمة ومحطات الوقود المستقلة فور إنشائها.
إن الاستمتاع بالطريق جزء من الاستمتاع بالسفر نفسه، حيث إن المسافر يحتاج إلى المكان الذي يؤويه والمسجد الذي يصلي فيه والمطعم الذي يأكل منه، هذا عدا الأشياء الضرورية في المحطة نفسها كالوقود والسوق وغيرها، ما يزيد في المتعة في المحطة كساحة لألعاب الأطفال ومكان للجلوس والتأمل، وغير ذلك.
إن طرق المملكة كلها تعاني نقصا شديدا في خدمات الطرق ومحطات الوقود الملائمة وهي التي يقصدها الحجاج والمعتمرون من الدول المجاورة، وكذا السياح والمتنقلون من المدن إلى الأخرى، ومع الأسف، اليوم يتمنى العابر ألا تقف إلا عند محطة الوصول لتستمع فيها بدلا من العناء المضاعف أثناء التوقف في محطات الطريق.
إن إنشاء هيئة عامة لمحطات الطرق هو ما يصب في مصلحة الطريق المثقل بسنين عديدة من الإهمال وينفض عنها غبار الضياع، وهو المؤمل في أن نمسح ذاكرة الطرق القديمة إلى الأبد في مراكز للخدمة ومحطات تبنى بمعايير عالمية.
ولعلي أشير إلى نقاط تصب في تحسين تلك الصورة التي نطمح إلى أن تكون مثالية في كل الطرق:
● إن مراكز الخدمة ومحطات الوقود العالمية لها معايير ومواصفات ومخططات تنفيذية تماما كالطريق الذي ينفذ بمعايير ومواصفات ومخططات تنفيذية، لذا يمكن لنا أن نستفيد من تلك التجارب العالمية وننفذها بالجودة نفسها، ومن دون شك سنحصل على الخدمة العالمية نفسها إذا تم تنفيذها بواسطة شركات لا أن تترك لأفراد لينفذوها.
● فنادق الطريق أو (الموتيل) هي كذلك يجب أن تكون لها معايير جودة وتصميم معماري لا أن تكون عمارات في الصحراء، إن أقل شيء يتطلبه العابر في سفره هو أن يكون للسيارة ظل يحميها ويكون تصميم الموتيل كما هو الحال في الطرق العالمية مجموعة غرف وكل غرفة لها موقف، ويتحتم في مثل طرقنا والأجواء التي نسير في معظم أشهر السنة في جو حار ومشمس أن نلزم الموتيلات بمظلات للسيارات، إذ إن راحة الناس في كثير من الأحيان في الظهيرة ويتمنون ظلا وارفا لهم ومركباتهم.
● مساجد الطريق أيضا تحتاج إلى عناية كبيرة ومواصفات راقية حتى يؤدي الناس تلك العبادة في مكان لائق ونظيف وما يتبع ذلك من خدمات لهذه العبادة من دورات المياه - التي لن أتحدث عنها لأن الحديث عنها يجلب أسوأ الذكريات المؤلمة للجميع.
إن المؤمل هو الإسراع في أن تنتقل هذه المرجعية ومسؤولية الإشراف الكامل إلى هيئة عامة مستقلة لمراكز الخدمة ومحطات الوقود من الآن، لأن وزارة البلديات لديها من المشروعات ما يثقل كاهلها ولن تستطيع أن تشرف على الطرق في الوقت الحالي مع ما لديها من مشاغل.
إن السفر بواسطة السيارة لدى البعض متعة، ويزداد استمتاع المرء إذا وجد ما يزيد استمتاعه في مكان نظيف يستريح فيه، وفي ذاكرة البعض ممن سافر عبر الدول محطات جميلة لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، إذ إن السفر في جملته يجعل الأحاسيس كلها واعية وتسجل كل لحظة وكل وقفة في محيط العمران الذي يسير فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي