مؤسسات حقوق الإنسان الوطنية
في الحلقة الماضية أكملنا أسماء المؤسسات والجهات التي يجب أن توجه لها ثقافة حقوق الإنسان مثل مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات العمال وأصحاب العمل ووسائل الإعلام الوطني والحكومي والجمعيات التي تعمل في مجال الدعوة والشئون الدينية والجمعيات التي تعمل في مجال الأسر والمجالات الاجتماعية، كما أشرنا إلى أهمية الهيئات والمؤسسات والجمعيات التابعة للأمم المتحدة التي لها علاقة بمراقبة تنفيذ الاتفاقيات والعقود الخاصة بحقوق الإنسان الموقعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأن على الدول التعاون مع تلك الهيئات، كما على تلك الهيئات أن تشجع الدول الموقعة على الاتفاقيات، وأن تقدم لها المساعدات التي تحتاج إليها لتقوم الدول بإدخال ثقافة حقوق الإنسان في برامجها التعليمية بكل أنواعها بما فيها التعليم والتدريب المهني والفني، ثم سردنا أسماء الموضوعات الأكثر أهمية التي يجب أن يُركز عليها في مجال نشر الثقافة الحقوقية، والآن ننتقل لتعريف وتوضيح أهداف المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان هي من مؤسسات المجتمع المدني التي تنشأ باجتهاد ومبادرة من صفوة من أفراد المجتمع داخل الوطن لتحقيق أهداف محددة ترمي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، والتصدي لانتهاك تلك الحقوق، بجانب نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع. ولتأخذ تلك المؤسسات الصبغة القانونية فلا بد أن تحصل على تصريح رسمي من الجهة التي تملك حق التصريح. وعادة ما تعتمد تلك المؤسسات على المساندة والدعم المادي والمعنوي - وخاصة عند تأسيسها - من كبار الأثرياء أو الدولة بمبالغ تجعلها قادرة على شراء مقر لها ثم لفروعها، وتعيين رئيس أو مدير لها، وموظفين للقيام بأعمالها. ولا بد أن يكون للمؤسسة نظام يوضح أهدافها ورسالتها واستراتيجيتها، ويوافق على النظام من الجهة التي صرحت لها بالعمل وعادة ما يشار في النظام لقبول المنح المادية والعقارية مما يساعد على نهوض تلك المؤسسة وأن يكون لها استثمارات ووقف يُمكنها من الاستمرار في العمل وتحقيق رسالتها. ومن أهم صفات تلك المؤسسات الوطنية، أن تكون مستقلة وحرة في العمل وغير مرتبطة بالدولة مثل المؤسسات الحكومية حتى تتمكن من الشجاعة المقرونة بالحكمة لحماية حقوق الإنسان. وتحصل هذه المؤسسات دعماً معنوياً وفنياً من الأمم المتحدة، بل وتشترط الأمم المتحدة على الدول الأعضاء وخاصة الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف أن يكون لتلك الدول مؤسسات أو جمعيات غير حكومية للمساهمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان بجانب تعزيز وحماية تلك الحقوق، كما أن الدول المتميزة لمؤازرة حقوق الإنسان تعتمد على تلك المؤسسات أو الجمعيات الوطنية في حماية حقوق الإنسان وتطلب منها الاقتراحات التي تساهم في رفع مستوى الأداء وتذليل الصعاب التي قد تعترض تلك المؤسسات، كما تقوم الدولة بطلب دراسات معينة من تلك المؤسسات للأمور المتعلقة بحقوق الإنسان أو ترسل ملفات معينة لتدرسها تلك المؤسسات، ومن البدهي أن يكون هناك تعاون وتنسيق وثيق بين الهيئات والمؤسسات الحكومية والوطنية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، وأن تكون هناك اجتماعات دورية لتبادل وجهات النظر في القضايا التي تسهم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان ونشر الثقافة الحقوقية. ويجب ألا تكون هناك منافسة غير شريفة بين تلك الجهات، وإذا ما كانت النفوس كباراً وكان العاملون في تلك الهيئات والمؤسسات والجمعيات الحكومية وغير الحكومية يتمتعون بنظرة بعيدة، وكانوا فعلاً حقوقيين يسعون للصالح العام، كان التعاون كبيراً، وتبُودلت الأدوار، وأدى كل ذلك إلى سرعة الوصول للأهداف السامية التي تؤدي إلى رفع مستوى الأداء وتحقيق الأهداف المشتركة التي تسعى إليها كل تلك الجهات، كما على مؤسسات حقوق الإنسان الوطنية أن يكون لها نشاط وتفاعل إقليمي ودولي بعد أن حققت نجاحاً محلياً لأن الخروج خارج الحدود يزيد من معرفتها بالنواحي الحقوقية ويؤدي إلى بعد النظرة ومقارنة نفسها بمثيلاتها خارج البلاد لتعرف مستواها بجانب التعارف والاطلاع الذي يُثري قوتها الحقوقية ويساهم في تحسين الإجراءات الإدارية ووسائل نشر الثقافة الحقوقية، وفي الحلقة (191) نكمل ما تبقى.