المصارف الإسلامية .. رضا العملاء غاية لا تدرك والتطوير تفرضه المنافسة والعولمة المالية

المصارف الإسلامية .. رضا العملاء غاية لا تدرك والتطوير تفرضه المنافسة والعولمة المالية

في ظل المتغيرات العالمية ونتيجة لعولمة النشاط المصرفي وتحرير الخدمات المالية والمصرفية برزت تحديات تنافسية كبيرة للمصارف الإسلامية؛ وذلك للعمل على التكيف مع هذه المتغيرات ومواجهة آثارها السلبية والاستفادة من المكاسب التي تحققها، وأصبح تطوير الخدمات المصرفية ومواكبة التطورات التكنولوجية المتلاحقة وتحقيق رغبات العملاء أحد المداخل الرئيسة لزيادة وتطوير القدرة التنافسية للبنوك الإسلامية، ومع ذلك فإن هناك انتقادات كثيرة توجه إلى عديد من المؤسسات المالية الإسلامية والمؤسسات الفكرية أيضا المهتمة بالاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية من حيث جودة الخدمات التي تقدمها، فالبنوك يقاس دورها ليس بالخدمات والمضامين التسويقية التي تقدمها والتي يحصل عليها من تلك الخدمة، وإنما لما تتصف به تلك المضامين من قيم رمزية تفاعلية وتواصلية ومهنية يبحث عنها العميل وتشكل له جودة أفضل من وجهة نظره، وفي ضمن هذا السياق يبرز مفهوم الجودة في الخدمات المصرفية الإسلامية، حيث يعد قياس أداء المصارف الإسلامية وفاعليتها واختبار جودة خدماتها إحدى الوسائل للتطوير والنهوض بهذا القطاع.
وكانت دراسة مسحية لـ''أرنست آند يانج'' قد أشارت إلى عدم الرضا عن الخدمات المصرفية المقدمة من قبل البنوك، حيث أكدت الدراسة أن 25 في المائة من عملاء البنوك العاملة في دول الخليج نقلوا بالفعل أو يخططون لنقل حساباتهم إلى بنوك أخرى خلال العام الجاري، وأن 10 في المائة قد قاموا بالفعل بعملية نقل حساباتهم إلى بنوك أخرى، ويرجع السبب إلى عدم الرضا عن الخدمات المصرفية المقدمة لهم.
وأشارت الدراسة إلى ضرورة توفير التميز التشغيلي والثقة في كل معاملة مصرفية؛ كي يستمتع العميل بتجربة مصرفية متميزة تضمن استمرار ولائه للبنك، وبينما أكد ‬71 في المائة من المشاركين في الاستبيان أنهم يعتبرون توافر الثقة أمرا في غاية الأهمية بالنسبة لعلاقاتهم الشخصية مع بنوكهم الرئيسية، أكد ‬70 في المائة منهم أن سرعة تنفيذ المعاملات تشكل أهم العوامل في نظرهم، في حين أشار 66 في المائة منهم إلى أن جودة الخدمات تلعب الدور الأهم في تلك العلاقات، وقال 7 في المائة فقط من المشاركين إنهم يحصلون على اهتمام شخصي من قبل البنوك التي يتعاملون معها.
وأرجعت الدراسة تحول العملاء إلى بنوك أخرى إلى فشل البنك في تقديم خدمة أو تلبية حاجة معينة، وبينما بلغت نسبة الذين تحولوا إلى بنوك أخرى نتيجة فشل بنوكهم في تقديم خدمة معينة ‬45 في المائة، بلغت نسبة الذين قاموا بذلك نتيجة بطء تنفيذ معاملاتهم ‬24 في المائة، وأوضحت الدراسة أن ‬60 في المائة من المشاركين في الاستبيان يتعاملون مع أكثر من بنك. وأكد ‬35 في المائة منهم أنهم إما نقلوا حساباتهم إلى بنوك أخرى أو يخططون لنقلها، حيث تفيد نتائج الاستبيان بأن علاقة ‬19 في المائة منهم فقط مع البنك نفسه تناهز عشر سنوات.
وقال سلمان جعفري، معد الدراسة ورئيس الخدمات المالية لقطاع الخدمات المصرفية للأفراد في ''أرنت آند يانج'' لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: إن أمام البنوك فرصة مهمة للاستفادة من تأييد العملاء لها وتوصية الآخرين بالتعامل معها بصورة عامة، خصوصا عند الشعور بالرضا عن تعاملهم معها، ويعتبر توفير الخدمات المصرفية الإسلامية من الحوافر الرئيسة التي تدفع العملاء إلى الشعور بالرضا وتأييد البنوك التي يتعاملون معها. فقد أكد عدد متزايد من العملاء رغبتهم في الحصول على منتجات مصرفية إسلامية، مشيرين إلى أن غيابها من أبرز أسباب تحولهم إلى بنوك أخرى، كما أشار العملاء إلى أنهم يعتبرون توافر الخدمات المصرفية الإسلامية أحد أهم المجالات الكفيلة بتحسين علاقاتهم مع بنوكهم.
وفي هذا الصدد، أشار أحد الباحثين في دراسة له إلى أن مفهوم الخدمات المصرفية عبارة عن تصرفات أو أنشطة أو أداء يقدم من طرف إلى طرف آخر، وهذه الأنشطة تعتبر غير ملموسة ولا يترتب عليها نقل ملكية أي شيء، كما أن تقدم الخدمة قد يكون مرتبطا أو غير مرتبط بمنتج مادي ملموس. وقال الدكتور محمد كمال أبو عمشة، الباحث في مجال التمويل والاستثمار والمستشار المالي والاستثماري في أسواق المال الخليجية: إن الجهود الخاصة بتعريف وقياس الجودة من الناحية التاريخية تركزت على قطاع السلع المادية، إلا أن توافر المعرفة عن مفهوم الجودة بالنسبة للسلع المادية يعتبر غير كافٍ لتحقيق الفهم الواضح لمفهوم الجودة في صناعة الخدمات، والخدمات المصرفية على وجه الخصوص، وتستمد الصعوبة في تعريف جودة الخدمة من الخصائص المميزة للخدمات المصرفية والتي سبق ذكرها، وأشار إلى نموذج الفجوات وهو من أحدث الدراسات في هذا المجال، حيث يشير إلى أن الأبعاد الرئيسة التي تقاس بها جودة الخدمة المصرفية هي: الاعتمادية، سرعة الاستجابة، القدرة أو الكفاءة، سهولة الحصول على الخدمة، اللباقة، الاتصال، المصداقية، الأمان، معرفة وفهم العميل، الجوانب المادية الملموسة.
وقال أبو عمشة: إن البنك كلما تمكن من التحكم في هذه الأبعاد أمكنه تقديم خدمات بجودة عالية، وبإمكانه تطوير الخدمات وتحقيق الميزة التنافسية، فإذا تم تقديم خدمة تتفق مع احتياجات وتوقعات العملاء أو تتفوق عليها قيل إن الخدمة تتصف بالجودة، وقال إن جودة الخدمة تعتبر مقياسا للدرجة التي يرقى إليها مستوى الخدمة لتقابل توقعات العملاء، وأن الجودة التي يدركها العميل للخدمة هي الفرق بين توقعات العميل لأبعاد جودة الخدمة وبين الأداء الفعلي الذي يعكس مدى توافر هذه الأبعاد بالفعل.
وحول الاستراتيجيات التنافسية المصرفية ذكر أبو عمشة، أن التنافس بالجودة في البنك - تحت مظلة إدارة الجودة الشاملة TQM- يتطلب مقومات عدة، أهمها استلهام حاجات العملاء وتوقعاتهم كأساس لتصميم الخدمات ووظائف ونظم البنك كافة، وجعل الجودة على رأس أولويات الإدارة العليا في البنك، وزرع وتنمية ثقافة الجودة لدى كل العاملين بالبنك، واختبار وتدريب وحفز العاملين لتقديم أداء متميز قائم على الابتكار المصرفي فنيا وتسويقيا، وتبني فلسفة تأكيد الجودة المنسجمة مع مبدأ الجودة من المنبع والأداء السليم من المرة الأولي بدلا من تبني فلسفة مراقبة الجودة، وتبني مفهوم التحسين المستمر تحت مظلة إدارة الجودة الشاملة، إضافة إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة للمعلومات في تصميم وتقديم الخدمات المصرفية.
وأشار أبو عمشة في هذا الصدد إلى العديد من المزايا التي تجنيها البنوك الإسلامية جراء تقديم خدمات مصرفية بجودة عالية، حيث تحقق ميزة تنافسية فريدة عن بقية البنوك التقليدية وبالتالي القدرة على مواجهة الضغوط التنافسية، وتحمل تكاليف أقل بسبب قلة الأخطاء والتحكم في أداء العمليات المصرفية، وتتيح الفرصة للبنك الإسلامي إمكانية رفع الأسعار والعمولات وتحقيق أرباح أكبر، وتمكن البنك الإسلامي كذلك من الاحتفاظ بالزبائن الحاليين وجذب زبائن جدد، إضافة إلى أن الخدمة المتميزة تجعل من زبائن البنك الإسلامي كمندوبي بيع في توجيه وإقناع زبائن جدد من الأصدقاء والزملاء.
وحول معايير القدرة التنافسية للبنك الإسلامي فهي تتعدد بحسب أبو عمشة والتي يمكن اعتبارها من زاوية أخرى أحد مؤشرات جودة الإدارة والتحكم في التسيير. ومن المعايير مدى تبني مفهوم وأسلوب إدارة الجودة الشاملة، ومدى الاهتمام بالتدريب المستمر للعاملين وحجم المخصصات التي ترصد لذلك، ومدى الاهتمام ببحوث التطوير المصرفي، ومدى وجود توجه تسويقي أي استلهام حاجات ورغبات العملاء كأساس لتصميم الأهداف والاستراتيجيات، والسعي المستمر للاستجابة لحاجات ورغبات العملاء والتكيف مع متغيراتها، ومدى زرع وتنمية روح الفريق الواحد على مختلف مستويات البنك الإسلامي، وكذلك مدى توافر العمالة المصرفية المؤهلة، ومدى استخدام أحدث تكنولوجيا الصناعة المصرفية، والحصة السوقية للبنك ونسبتها إلى إجمال الحصة السوقية للجهاز المصرفي، إضافة إلى القدرة على التعامل مع المتغيرات البيئية المحلية والعالمية. ويعتبر أبو عمشة أن العولمة أدت إلى زيادة المخاطر التنافسية ومن ثم الحاجة إلى تبني إدارة الجودة الشاملة كمدخل لتعزيز وزيادة القدرة التنافسية، حيث يكمن معظم أدوات التنافس في إدارة الجودة الشاملة، وفي الحديث عن جودة الخدمة المصرفية ضمن مدخل الجودة الشاملة قال أبو عمشة: إن مقومات وسبل تهيئة وتنمية القدرة التنافسية للبنك تنشأ من تحليل البيئة الديموغرافية من حيث هيكل وخصائص الزبائن بما يساعد في دراسة وتحليل اتجاهاتهم ورغباتهم ومعرفة الخدمات التي يرغبونها، وكذلك تحليل اتجاهات المنافسة المصرفية التكنولوجية وتسويقها، وذلك بدراسة وتقييم المنافسة في السوق المصرفية والتعرف على الخدمات المقدمة من طرف البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الأخرى، والتعرف على الاستراتيجيات التسويقية التي يتبناها المنافسون، وتصميم أو تبني استراتيجيات تنافسية مثل إستراتيجية الجودة، والتميز والتركيز والتحالف الإستراتيجي وغيرها، وتبني مدخل إدارة الجودة الشاملة كخيار استراتيجي، وكذلك اعتماد مبدأ جودة الخدمة والتحسين المستمر وتطوير الخدمة في هيكل الخدمات المقدمة كضرورة أساسية من ضرورات الأداء المصرفي، إضافة إلى اعتبار الزبون كحجر الزاوية في تصميم الخدمة المصرفية وقياس جودتها وتطويرها، واستخدام تكنولوجيا المعلومات كسلاح تنافسي، مع مراعاة تناسب مدى استيعاب التكنولوجيا المصرفية المستعملة من طرف الزبائن.

الأكثر قراءة