Author

حِمْيَة معلوماتية!

|
في نهاية العام 2010 أصدر كلّ من بيل كوفاتش وتوم روزنستيل كتابهم المشترك "Blur: How to Know What's True in the Age of Information Overload". الكتاب وكما يتضح من عنوانه يناقش الانفجار الإعلامي والمعلوماتي الذي نعيشه في القرن الحادي والعشرين، خصوصا في قطاع الصحافة والأخبار التي تهمنا جميعا. كلا المؤلفين مخضرمان في هذا المجال ولديهما خبرة طويلة في العمل لأكثر من وسيلة إعلامية، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية. يعد المؤلفان القارئ بأن هذا الكتاب سيكون خريطة طريق، دليل استخدام وأشياء أخرى، سيعطي المتلقي النصائح والمهارات التي سيحتاج إليها لفلترة ما يرد إلى سمعه وبصره من أخبار من آلاف المصادر كلّ يوم. ونحن غي حاجة إلى دليل كهذا بلا شك! علق أحد القراء على الكتاب بإشادة كبيرة ثمّ أضاف: لو أمكننا منح كل إنسان تجاوز الثانية عشرة من العمر كتابا لهذا الزمان سيكون هو بلا شكّ. قبل عقود، كنا نستقبل الأخبار من وسائل مقننة جدا مقارنة بما وصلنا إليه الآن، قناة واحدة أو اثنتان تلفزيونيتان شكلتا المصدر الرئيس والمعتمد، وبعض الصحف هنا وهناك وقناة إذاعية واحدة نستقبل الأخبار من خلالها في ساعات معينة من اليوم وبكلمات قليلة واضحة. اليوم كلّ ذلك أصبح من الماضي، لم تعد النشرات الملخصة المختصرة سمة القنوات الإخبارية التي تعمل على مدار الساعة، ولا آلاف القنوات الإذاعية والمطبوعات، وجاءت الشبكة العالمية لتصنع إعلاما جديدا لا تتحكم فيه المؤسسات المتخصصة وحسب، بل يبث ويعدّ من خلاله الأفراد العاديون أخبارهم ورؤاهم كلّ وقناته المستقلة. ولكن كيف لنا أن نعرف بأن هذه المعلومات التي تصلنا حقيقية، وليست قوالب وصورا جاهزة تخدم أطراف وأيديولوجيات وسياسات مدروسة سلفا؟ يطرح لنا الكتاب الحلّ المبدئي بالإجابة عن ستة أسئلة نطرحها على أنفسنا: ١- ما نوع المحتوى الذي تلقيته؟ ٢- هل المعلومات التي تلقيتها كاملة أم أنّ هناك أجزاء ناقصة؟ ٣- أي المصادر نقلت لي المعلومة وهل عليّ تصديقها؟ ٤- أي الأدلة قُدّمت لي وكيف يمكنني التحقق من صحتها؟ ٥- أي البدائل الأخرى - وسائل إعلامية مختلفة - قابلة للتصديق؟ ٦-هل تلقيت المعلومات التي احتاج إليها من المحتوى؟ هذا التمرين الذهني الذي تجريه مع نفسك ينتهي بما يشبه الحمية "حمية معلوماتية" بالتحديد كما يسميها توم روزنستيل، فالمتلقي بعد الانتهاء من مشاهدة آلاف الصور المذيلة بالشروح، وعبور أشرطة الفيديو أمامه في شاشة التلفزيون مع تعليقات المذيعين والموسيقى التصويرية - المهولة للأمور أحيانا - يحتاج إلى اقتطاع جزء كبير منها وهضم الباقي! الكتاب مهمّ من ناحيتين، أولا لك أنت كشخص عادي وكيف تصبح مستقبلا أذكى وأكثر وعيا للرسائل الإعلامية التي تنهال عليه كلّ يوم. ومن ناحية أخرى يهمّ وسائل الإعلام المتخصصة على اختلافها، خصوصا تلك التي تبحث عن إصلاح لعملها ومنحه سمة المصداقية والاعتمادية عن طريق توظيف كوادر كفؤة تتولى إعداد وصنع وعرض الخبر للمتلقي وفقا لما تتطلبه الحقيقة لا ما يطلبه المعلن والمستفيد الخفيّ أيا كان! في الكتاب حقائق وحكايات يقدمها المؤلفان من خبرتيهما العملية، من بينها حقيقة نشاهدها وننتبه إليها بمجرد الوقوف على القنوات الإخبارية المختلفة على رأس كلّ ساعة ألا وهي ترتيب الأخبار وعرضها بحسب أهميتها. يندر اليوم أن تقف عند قناتين إخباريتين - أو أي وسيلة إعلام أخرى بالضرورة - لهما نفس التوجه في عرض الخبر والصورة والتعليق عليهما، فالغالبية منها توقفت عن إخفاء الانحياز الذي يخلّ بالمهنية الإعلامية ويشتّت المتلقي. الكتاب الذي يبدأ بالفصل "كيف نعرف ما نصدق بعد الآن؟ "ليس كتابا أكاديميا بحتا لتعليم أساسيات الصحافة كما يعتقد البعض، هذا الكتاب قراءة للحياة وللإدراك السليم لما يتطلبه العيش في عصر طفرة المعلومات!
إنشرها