العلاقات السعودية ــ الليبية.. درس في العلاقات المعاصرة (3)

في سياق ''الإبداعات'' الليبية في عهد القذافي، التي استهدفت المملكة وخصتها بالنصيب الأوفى، نعالج في هذه المقالة فصلا من فصول العلاقات الليبية - السعودية في عهد القذافي، ويتعلق بالحملة التي شنَّها القذافي ضد المملكة تحت عنوان تدويل الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة والمدينة، وانضمت إلى هذه الحملة إيران وبدأت خلال الحرب الإيرانية - العراقية ثم تلاشت عندما لم تجد لها مستمعا أو نصيرا. وأذكر أن القذافي كان ينظم ندوات ومؤتمرات في مصر وأحيانا في رحاب بعض الجامعات، لكنني كنت أشعر بأن هذه مؤامرة على الأماكن المقدسة قبل أن تكون مؤامرة على المملكة؛ لذلك تصديت لها في حينها، وكان الرد العلمي هو الأكثر إفحاما، وأكدت أن الأماكن المقدسة تقع في دولة شرَّفها الله بخدمة ضيوف هذه الأماكن، وهي المملكة العربية السعودية، التي تشعر بهذا التقدير وتتفانى في أداء الواجب؛ لذلك فإن هذه الأماكن جزء من أراضي المملكة، وهي في الوقت نفسه مقصد لزيارة المسلمين في حجهم وعمرتهم، والمملكة تحسن القيام على هذه الأماكن، وتعتبر أن خدمة ضيوف الرحمن شرف ينتقل من عصر إلى آخر؛ ولهذا السبب أراد الملك فهد - رحمه الله - أن يربط المملكة ومليكها بخدمة هذه الأماكن عندما استحدث لقب خادم الحرمين الشريفين ليكون إعلانا عن أن مهمة الملك الأولى هي خدمة الحرمين.
ومن الواضح أن المؤامرة التي تطالب بإدارة دولية لهذه الأماكن المقدسة كانت إساءة بالغة للمسلمين ومقدساتهم؛ لأن الإدارة الدولية تعني المساس الخطير بالسلامة الإقليمية للمملكة والإضرار بقيام المسلمين بأداء فرائضهم في الحج والعمرة في يسر وسهولة. وتلك المؤامرة لم تعلّق عليها المملكة وتركتها تذوي؛ لأنها تدرك أن هذه هجمة على المقدسات التي تقع في حمى خالقها وتعتصم بقدسية المكان وبوعي المسلمين. ولهذا السبب فوتت المملكة على هذه المؤامرة أن تترك أثرا في نفوس الناس، بل أدرك الناس أبعاد المؤامرة دون عناء، وتلك كانت إحدى السحب السوداء التي مرت بسرعة وحاولت إيران أن تحارب المملكة عندما انضمت إلى هذه المؤامرة بعض الوقت، ولا بد أن يدرك الجميع أن الأماكن المقدسة مقدسة عند المسلمين وعند من يقومون على خدمتها؛ فلا يجوز المزايدة في هذا الشأن. ويرتبط بهذه المؤامرة محاولة تسييس مواسم الحج حتى تلقي أعباء أمنية إضافية على المملكة، وحتى تحدث اللغط في سلوك الأمن السعودي، وهي مؤامرة أخرى تستهدف قدسية موسم الحج ونبل القصد والسكينة التي يجب أن تتوافر في هذا الموسم، وتصدت المملكة بحزم لهذه المؤامرة وساندها العالم الإسلامي بأسره. يرتبط أيضا بهذه المؤامرة ضد الأماكن المقدسة ما أعلنته المملكة من تقييد عدد الحجاج بحصص تتناسب مع عدد السكان في كل دولة إسلامية عندما كانت المملكة تقوم بإصلاحات توسيع الحرمين المكي والمدني، وكان موقف منظمة المؤتمر الإسلامي حازما عندما سدت باب الفتنة فلم تتمكن المؤامرة من أن تطل برأسها من هذه المناسبة.
هكذا تمكنت المملكة بحكمتها وهدوئها من أن تكون طرفا هادئا في معادلة العلاقات الليبية - السعودية، بل إن المملكة قدمت الكثير للشعب الليبي، الذي أشرنا إلى بعضه في المقالات السابقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي