هلال شوال والعنف اللفظي

العنف في القول صورة من صور العجز وضعف الحجة، فبقدر ما يعلو صوت الإنسان ويخرج عنه ما يسيء من الكلام تكون حجته ضعيفة، والملاحظ أن العنف اللفظي يشكل جزءاً من حياة الإنسان العربي، حيث تجد العنف اللفظي في المنزل وفي السوق وفي أماكن العمل.
العنف اللفظي لا يقتصر على العامة من الناس، بل انتقل إلى من يحملون مؤهلات علمية عالية، ولعل القنوات الفضائية بما تقدمه من حوارات بين مختلف الأطياف، كشفت عن مدى العنف اللفظي الذي يستخدمه المثقفون ومن يوصفون بقادة الرأي في حواراتهم.
العنف اللفظي شهدناه هذا العام في ردة الفعل العنيفة على رؤية هلال شهر شوال، وبدأ هذا العنف من أناس كان من المفترض بهم الابتعاد عن هذا العنف الذي راوح بين التقليل من مكانة الطرف الآخر والتشكيك في قواه، وبين اللمز من منطقته وتجهيل أهلها.
هذا العنف لم يقتصر على بيان صيغ على استعجال، وجاء فيه أن ما تم رصده هو كوكب زحل، بل برز في المسارعة إلى القنوات الفضائية لإفراغ شحنة من الغضب، فكان أن جاء الأثر عكسياً. وقابل هذا العنف عنف لفظي آخر تمثل في التقليل من مكانة المهتمين بعلم الفلك، ووصفهم بأنهم مجموعة من الهواة.
هذا العنف اللفظي أخفى جوانب إيجابية عديدة صدرت عن بعض المراصد الفلكية التي طرحت الموضوع بشكل علمي، فلم تقطع باستحالة الرؤية، بل أشارت إلى وجهات نظر أخرى تشير إلى أن يوم الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر، منها تقويم أم القرى والتقويم الإسلامي الموحد لمنظمة المؤتمر الإسلامي، كما أخفى أن العديد من علماء الفلك، ومنهم صالح العجيري أقروا ولادة هلال شوال في ليلة الثلاثاء.
من نماذج التصريحات التي تناولت رؤية الهلال وبُثت عبر القنوات الفضائية، خاصة قناة الجزيرة، قول أحد أساتذة علم الفلك: نحن بصدد الإخوان الذين رأوا الهلال، وإذا صحت رؤية الهلال عن طريقهم فهذا معناه أن عندهم قدرة نظر غير عادية وخارج نطاق المجال الكهرومغناطيسي أو البصري، لذلك أنا أرجو أن تتاح فرصة لعمل مثل هذه الأبحاث العلمية في تخصصات مثل أعصاب العين ومجال القدرة البصرية، لعل هؤلاء الإخوان يكونون فتحا جديدا لمجال آخر.
وقول آخر: البعض في السعودية قال إنه شاهد الهلال في منطقة ''سدير'' وهذه المنطقة تُسبب لنا إشكاليات منذ 20 سنة، فهناك من يدّعي رؤية الهلال من تلك المنطقة ونحن نعلم أن هذه الرؤية غير صحيحة لأن القمر لن يكون موجوداً في السماء بعد غروب الشمس في تلك المنطقة.
وقول ثالث: إذا كان هناك من أبلغ برؤية الهلال أو رآه بالعين فينبغي لنا أن نُقفل الجامعات والمراصد الفلكية الموجودة حتى نجعل المجال لمثل هؤلاء الأشخاص.. في الأعوام السابقة دائماً تصدر الرؤية من مناطق ''سدير'' و''شقراء'' و''المجمعة'' أما بقية مناطق المملكة فليس لها أي دور فأين المراصد الفلكية الموجودة في السعودية عن رؤية الهلال عندما يراه شخص أو اثنان في هذه المناطق تحديداً، بينما المراصد الفلكية والمختصون في هذا المجال لا يرون الهلال.
هذه التصريحات جاءت وكأن رؤية هلال شهر شوال اقتصرت على مناطق معينة في المملكة، متناسين أن هلال شهر شوال شوهد في أماكن عديدة من العالم الإسلامي، ومن بينها مصر وماليزيا، ففي مصر أشار الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية إلى أن دار الإفتاء كلفت تسع لجان في كافة أنحاء الجمهورية لاستطلاع الهلال وثبت ظهور الهلال بالعين المجردة في كل من توشكى وسوهاج، وقال: إن اللجنة الواحدة تتكون من 11 متخصصاً في علوم الفلك والعلوم الشرعية.. متهما إسرائيل بأنها خلف إشاعة عدم صحة هلال شهر شوال، والقول بأن ما تمت رؤيته هو كوكب زحل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي