دور السعودية في التخفيف من المآزق الليبية (2)

سوف يهتم الباحثون في العلاقات العربية بهذا الفصل الفريد في العلاقات الدولية، ولذلك رأيت من واجبي أن أسجل صفحات في هذا الفصل على سبيل التأريخ والتوثيق. ونخصص هذا المقال لومضة من الومضات المضيئة للمملكة فيما تورطت فيه ليبيا القذافي من مآس وأزمات راجياً أن يهتم الباحثون بأزمة العلاقات الليبية العربية في عهد القذافي مع جميع الأطراف العربية فلم تنج دولة عربية واحدة من احتكاك ليبيا بها بداية من المغرب في أقصى الغرب إلى الخليج في أقصى الشرق بل إنه في الصراع العسكري بين إيران والعراق كان القذافي هو الذي ساند إيران ضد العراق بصرف النظر عن الظروف والدواعي التي دارت فيها الحرب الإيرانية العراقية. ولذلك لا بد أن يهتم الباحثون بحصر الخسائر الليبية البشرية والسياسية والاقتصادية والمالية لمغامرات القذافي، حيث ترك ليبيا وهي من أفقر دول المنطقة في البنية التحتية رغم غناها المعروف.
مقال اليوم يعالج دور المملكة في أزمة لوكربي وهي حادثة تفجير طائرة بان أميركان الرحلة رقم 103 المتجهة من مالطة إلى نيويورك ولكن الطائرة انفجرت فوق قرية لوكربي في اسكتلندا وقتل جميع ركابها ومن سقطت عليهم في الأرض بما يجاوز 300 قتيل وترتب على ذلك اتهام ليبيا بتدبير الحادث في مالطة ودخلت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مع الأمم المتحدة في هذه الأزمة على النحو الذي فصلناه في كتبنا ودراساتنا السابقة ودفع الشعب الليبي ثمن 13 عاماً من الحصار الخانق، إضافة إلى مليارات الدولارات كتعويضات. ولما كنت قريباً من المشهد أشهد أن الأمير سعود الفيصل قام بدور مهم في اللجنة الوزارية العربية لمساندة ليبيا في هذه الأزمة فضلاً عن مساعي الدبلوماسية السعودية المنفردة مع العواصم الكبرى لتخفيف الضغط والآثار السلبية على ليبيا. يذكر للتاريخ أيضاً أن المملكة تعاونت مع جنوب إفريقيا لبذل جهود كبيرة للتوصل إلى تسوية سياسية للمشكلة وتوقيع اتفاق بين الأمم المتحدة وليبيا بشأن محاكمة المتهمين الليبيين أمام محكمة اسكتلندية تطبق القانون الاسكتلندي وانتقلت المحكمة إلى هولندا وكان ذلك هو الحل الوسط بين الجانب الليبي والجانب الأمريكي البريطاني بعد أن انسحبت فرنسا من القضية وبعد أن تم تداول القضية في محكمة العدل الدولية وبعد أن فتح الحكم الشهير الصادر من المحكمة في 28 شباط (فبراير) 1998 حول اختصاص المحكمة بنظر النزاع وليس مجلس الأمن، أقول إن هذا الحكم هو الذي فتح الباب للتسوية السياسية التي لعبت المملكة فيها دوراً رئيسياً خاصة وأنها كانت الضامن لكي تنفذ ليبيا التزاماتها في اتفاق التسوية.
ولعلنا نلاحظ مدى سخاء المملكة وحرصها على الشعب الليبي بحيث تضمن المملكة ليبيا القذافي الذي لم يخاطر بضمانه أحد لما عرف عنه من تقلب وعدوانية وذلك رغم الإساءات المستمرة التي وجهها العقيد للمملكة وقيادتها.
وسوف يعالج المقال القادم في هذه السلسلة مساعي القذافي للإساءة إلى الأماكن الإسلامية المقدسة وإلى التقويم الإسلامي وغيرها من شطحات القذافي في المجال الإسلامي وموقفه من الغزو العراقي للكويت خاصة في قمة القاهرة في العاشر من آب (أغسطس) عام 1990 ولا شك أن الغزو كلف المملكة والعالم العربي كله الكثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي