دعوة مؤسسة النقد للتدخل لتصحيح مسار المصرفية الإسلامية من الممارسات الخاطئة
أكد الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام لشركة ''رقابة'' في بريطانيا لـ ''الاقتصادية'' أن مؤسسة النقد العربي السعودي يعنيها ما ورد في الرسالة الإعلامية لحلقة طاش ما طاش الأخيرة وما عرض فيها من انتقادات موجهة إلى المصرفية الإسلامية تتسم بالحدة والجدية للمصرفية الإسلامية في السعودية، حيث هدفت الحلقة إلى تأكيد عدم وجود الفرق بين البنوك الإسلامية والتقليدية.
وقال مشعل إن مؤسسة النقد السعودي لم تتردد في منع البنوك من استخدام منتج القرض الحسن لاستقطاب العملاء بغرض فتح حسابات لدى البنوك بعد طرحه من قبل بعض البنوك السعودية بفترة وجيزة، وذلك لما رأته من أثر سلبي في المنافسة بين البنوك السعودية، وعدم ملاءمة طبيعة المنتج لمبدأ حماية أموال المساهمين، مضيفا أنه لا يتناسب مع المسؤولية المهنية لـ ''ساما'' أن تكون سلبية تجاه بعض قضايا المصرفية الإسلامية في السعودية المسموح بها جنباً إلى جنب مع المصرفية التقليدية وتخضع لإشراف ساما أيضاً، في الوقت الذي أصبح فيه انتقاد المصرفية الإسلامية ظاهرة مجتمعية تعكسها الكوميديا السعودية في أشهر برامجها.
#2#
وأضاف مشعل أن البنوك الإسلامية ليست قادرة على لعب الدور الذي ينبغي أن تقوم به ''ساما'' في هذا الموضوع، رغم رغبة إدارات البنوك الأكيدة في إيجاد حلول عملية لهذه الانتقادات. ولمساعدة ''ساما'' في أخذ زمام المبادرة وتفعيل الدور الإشرافي والرقابي المنشود على المصرفية الإسلامية، أشار مشعل إلى أبرز أربعة عناصر تمثل جوهر ظاهرة الانتقاد للمصرفية الإسلامية السعودية والحلول العملية لها من وجهة النظر الإشرافية.
وفيما يتعلق بعناصر ظاهرة الانتقاد للمصرفية الإسلامية في السعودية قال مشعل إن الهيئات الشرعية في البنوك السعودية تقتصر على مجموعة من الأسماء المتكررة، في بلد لا يعاني من نقص في التأهيل العلمي في هذا المجال، والجامعات السعودية مليئة بالفقهاء المؤهلين لدخول هذا الميدان وإثرائه، بل وكسر الاحتكار القائم عملياً بالاقتصار على الأسماء المتكررة، ومن ثم يتم تحديد مكافآت الأعضاء أساس العرض والطلب، ولا يخفى أن العرض المفترض في بلد كالسعودية يفوق بكثير الطلب القائم.
كما أشار إلى أن أدوات التمويل الإسلامية المتاحة للأفراد والشركات في النظام المصرفي السعودي محدودة ومستقرة من حيث آلية تنفيذها والضوابط الشرعية الحاكمة لها، بل يمكن وصف هذه الأدوات بالنمطية على مستوى جميع البنوك، وتتمثل في المرابحة للواعد بالشراء والتورق والإجارة التمليكية والاستصناع. وما تقوم به الهيئة الشرعية في إجازة هذه الأدوات وعقودها لكل بنك هو تكرار لعمل الهيئات الشرعية في البنوك الأخرى باختلاف محدود، ويصبح التكرار مذموما أكثر عندما يكون من الأعضاء أنفسهم الذين يتكرر وجودهم في أغلب الهيئات الشرعية. وأضاف أنه من الناحية الفنية التكرار يوازي عدم الكفاءة، لأن فيه إعادة اختراع العجلة، وفيه إضاعة للوقت وإهدار لجزء من موارد النظام المصرفي ككل بدفع للهيئات الشرعية على عمل منجز وجاهز. ولا شك أن وجود معايير شرعية موحدة للأدوات المذكورة، وتصدر بتعليمات ملزمة من قبل المؤسسة لجميع البنوك يجعل العجلة متاحة للاستخدام من الجميع ويمثل حلا عمليا لعدم الكفاءة.
وأشار مشعل كذلك إلى انتقاد الاختلاف الفقهي الإسلامية المدرجة في سوق الأسهم السعودية، حيث لم يتح لبعض البنوك السعودية شراء هذه الصكوك الإسلامية، وضغط هذا الأمر بشدة على ضيق نطاق أدوات إدارة السيولة المتاحة لدى البنوك الإسلامية رغم ندرة الأدوات في الأصل، واعتمادها على التورق المصرفي المنظم سيئ السمعة، مضيفا أنه لا شك في أن اختلافاً فقهياً من هذا النوع يتطلب حسماً من ''ساما'' بصفتها ولي الأمر الذي يقرر المصلحة العامة في حال الخلاف، والذي تتمثل في تحقيق التوازن بين جميع البنوك من حيث الفرص المتاحة، وتوفير أدوات لإدارة السيولة تتمتع بالقبول العام بدلا من الاستثمار في السلع الدولية والتورق المصرفي المنظم سيئ السمعة.
وأشار مشعل كذلك إلى انتقاد نقص المصداقية الشرعية للبنوك الإسلامية والنوافذ الإسلامية، حيث كثيرا ما تثار الشكوك في المجتمع السعودي حول هل البنك الفلاني إسلامي؟ وهل يطبق فعلاً الضوابط الشرعية أم يتاجر بالشيوخ؟ وهل فعلا الهيئة الشرعية تدقق شرعاً؟ وبعبارة أخرى هل تتأكد الهيئة الشرعية أن المعاملات المنفذة في البنك تم تنفيذها بشكل صحيح أم أن الهيئة تفتي فقط ولا تعلم شيئاً عن الواقع المنفذ؟ وأضاف أن الواقع قد أثبت زيادة وعي المجتمع السعودي تجاه هذا الأمر فلم يعد ينخدع برفع الشعارات وختم الهيئة الشرعية بأسماء أعضائها ''معتمد شرعاً'' وأصبح يوجه اهتمامه بذكاء إلى السؤال عن التطبيق الفعلي هل هو شرعي أم لا؟
وعن الحلول الإشرافية المقترحة للانتقادات الموجهة إلى المصرفية الإسلامية في السعودية، أكد مشعل أن يكون لمؤسسة النقد السعودي إجراءات مؤسسية وشروطاً معلنة وملزمة، وهي أن يكون المرشح لعضوية الهيئة الشرعية حائزاً على شهادة الدكتوراه أو ما يوازيها في الفقه الإسلامي حصراً، وله اهتمام علمي بالمعاملات المالية الإسلامية يظهر في أبحاثه للماجستير والدكتوراه أو الأبحاث العلمية، وألا يتكرر عضو الهيئة الشرعية في أكثر من بنك واحد، فإن كان لدينا عشرة بنوك، وبافتراض أن الحد الأدنى لعدد الأعضاء ثلاثة؛ فإن العدد الكلي الأدنى المتوقع سيكون 30 عضواً. علماً بأننا في الوقت الحالي لا نملك نصف هذا العدد.
وأضاف مشعل ألا يُجدد لعضو الهيئة في البنك لأكثر من أربع سنوات، حيث يتيح هذا الشرع فرصة تجدد الدماء وإثراء النقاش في المستجدات. إضافة إلى موافقة ''ساما'' على العضو المرشح، ويكون تعيينه نهائياً بموافقة الجمعية العمومية للبنك على الأعضاء المرشحين، وهذا يتيح لـ ''ساما'' التأكد من استقلالية العضو المرشح، بحيث تطبق عليه شروط المحاسبين القانونيين، مثل: ألا يكون مساهما ًفي البنك المرشح لعضوية هيئته الشرعية، وغير ذلك من التعليمات الصادرة بشأن تحقيق استقلالية المحاسبين القانونيين.
وطالب مشعل بضرورة اقتصار مهام الهيئة الشرعية لكل بنك على الإفتاء فقط، وأن تكون فتواها ملزمة للبنك، وتزال من مهامها وظيفة التدقيق الشرعي والتي تتمثل في متابعة الأعمال المنفذة في البنك للتأكد من أنها مطابقة للشريعة. وذلك لأنها في الغالب غير مؤهلة للقيام بهذه الوظيفة من جهة أولى، ولأنها عملياً لا تقوم بها في أغلب البنوك من جهة ثانية. ويجب في هذه الحال نقل مسؤولية التدقيق الشرعي لجهات مؤهلة ومستقلة تتفق في شروطها مع الشروط المقررة لممارسة مهنة المراجعة المالية من قبل المحاسبين القانونين، وذلك من حيث الشهادة المهنية المطلوبة والترخيص والتسجيل في قائمة المدققين المعتمدين في وزارة التجارة. ونوّه في هذا الصدد إلى وجود برنامج تأهيلي لمنح شهادة تدقيق شرعي محترف لدى المعهد المصرفي في ''ساما''، ويمكن اعتماد الخريجين من هذا البرنامج كأشخاص مؤهلين للقيام بمهمة التدقيق الشرعي إضافة إلى شروط الخبرة والممارسة العملية وباقي الشروط الإدارية المذكورة آنفاً، وسيحقق إعفاء الهيئات من المسؤولية عن التدقيق الشرعي، وفصل التدقيق الشرعي لجهات مستقلة تحقيق المصداقية في رفع الشعارات.
ومن المقترحات العملية أيضا دعا مشعل إلى إنشاء هيئة شرعية عليا في مؤسسة النقد، لإقرار معايير شرعية موحدة لجميع الأدوات المالية المطبقة في البنوك والنوافذ الإسلامية السعودية، وكذلك في الصكوك الإسلامية المصدرة في سوق الأسهم السعودية أو حتى الصكوك الإسلامية الأجنبية القابلة للإدراج في السوق السعودية، وقال إن هذا التدخل الإشرافي المهم يؤدي إلى التقارب والتطابق في جميع التطبيقات وعلى مستوى جميع البنوك وإصدارات الصكوك ومن ثم تحقيق التنميط المنشود لتطبيقات المصرفية الإسلامية أسوة بتطبيقات المصرفية التقليدية التي تتسم بالتشابه. ولا شك في أن التنميط سيسمح بمزيد من الكفاءة في التطبيقات، ويتيح لجميع البنوك فرص متساوية للمنافسة في السوق المصرفية. كما أنه سيسمح بتوفير الموارد التي يتم إهدارها بصفة مستمرة من قبل البنوك على تكرار الجهور وإعادة اختراع العجلة كما سبق بيانه.
وقال مشعل إن إنشاء الهيئة الشرعية العليا في مؤسسة النقد العربي السعودي، وبدء أعمالها في إصدار المعايير الشرعية الملزمة للأدوات التمويلية المحدودة والمطبقة في السوق المصرفية السعودية بما في ذلك الصكوك الإسلامية، سيؤدي إلى انحسار دور الهيئات الشرعية على مستوى كل بنك في مجال الإفتاء لمصلحة المعايير الشرعية الصادرة من ''ساما'' والمعتمدة من الهيئة الشرعية العليا، وسيستمر عمل الهيئات الشرعية الخاصة في كل بنك في المعاملات المستجدة. ومع استمرار ''ساما'' في استكمال إصدار المعايير الشرعية وتطويرها بالمستجدات؛ فإن دور الهيئات الخاصة في مجال الإفتاء قد يتلاشى نهائياً. وبقدر الكفاءة والسرعة في أعمال ''ساما'' تكون السرعة في تحقيق هذا الهدف، ويكون لنا مصرفية إسلامية تتمتع بالنمطية والكفاءة تقف جنباً إلى جنب مع المصرفية التقليدية.
وعن استكمال عناصر المنظومة الشرعية على مستوى الهيكل التنظيمي الداخلي أكد مشعل أن ذلك أمر ضروري، ومن أهم هذه العناصر إعادة تطوير فريق تطوير المنتجات في داخل البنك ورفع مهاراته في مجال تطوير المنتجات الإسلامية، واستحداث وظيفة التزام شرعي ضمن إدارة الالتزام الحالية، ووظيفة مراجعة شرعية داخلية ضمن إدارة المراجعة الداخلية، وإعادة تأهيل الفريق القانوني في داخل البنك ورفع مهاراته في مجال صياغة العقود لتكون في إطار المتطلبات الإشرافية المعتمدة.
وأكد أخيرا أهمية تفعيل الدور الرقابي الشرعي لـ ''ساما''، من خلال إعادة تأهيل فريق التفتيش البنكي لتشمل أعماله التأكد من التزام البنوك والنوافذ الإسلامية بالمعايير الشرعية، وللتأكد من استكمال المنظومة الشرعية آنفة الذكر.
وقال مشعل إن واقع المصرفية الإسلامية في السعودية المسموح بها يناشد مؤسسة النقد العربي السعودي للتدخل السريع، لحمايتها وصيانتها والارتقاء بها ورفع مصداقيتها أمام الجمهور، والتصدي الشعارات الزائفة والممارسات الخاطئة.