نعم.. فنظرة إلى ميسرة!

الله الرحمن الرحيم وضع في كتابه الكريم قاعدة ذهبية أجملها في قوله تعالى: ''فنظرة إلى ميسرة''، أي أن المتعسر في سداد دينه لا بد من إعطائه فرصة حتى يسترد وضعه العادي ويصبح قادراً على سداد هذا الدين، ما دام تعثره حدث نتيجة ظرف خارج عن إرادته، وإذا كانت هذه قاعدة شرعية فكيف نتجاوز عن الشرع الرحيم، ونضع قواعد قاسية بل قاتلة، نعاقب بها هذا المتعثر الذي لا ناقة له في تعثره ولا جمل، إنما الظروف هي السبب، كيف نحكم عليه بالسجن ونحطم حياته وحياة أسرته؟
لقد طرح الدكتور ''خالد النويصر'' في جريدة ''الاقتصادية'' فكرة رائعة تحل هذه المشكلة حلاً إنسانياً وجذرياً وتتفق مع الشرع اتفاقاً كاملاً. الفكرة تقوم على إلغاء عقوبة السجن في قضايا الحق الخاص، أو المتعثر في سداد دينه. ووضع عقوبات بديلة حددها في المنع من السفر، وتجميد الحسابات المصرفية، إلى حد قيمة الدين، ومنح القضاة صلاحية استقطاع جزء من راتب الموظف أو العامل في القطاع الخاص ومصادرة الأموال الثابتة والمنقولة إلى الحد الذي يغطي قيمة الدين، وتعطيل كافة مصالح المدين.
ويوضح الدكتور ''خالد النويصر'' أنه يمكن الحكم على المعسر بإحدى هذه العقوبات دون الإخلال بحق الدائن في العودة على المدين متى ثبت أن لديه من المال أو الممتلكات التي تساعد على سداد دينه. هذه فكرة عملية ورائعة، فالسجن ليس حلاً، بل إنه يضاعف المشكلة، فإن أضراره لا تطول المعسر المسجون فقط، وإنما هي تطول أسرته وأولاده، وبالتالي تطول المجتمع كله، فالمعسر بعد خروجه من السجن وتنفيذ العقوبة يكون قد أصبح شخصاً آخر. فقد يصبح عدوانياً لأن القانون لم يرحمه وهو لم يرتكب جريمة، بل إن القانون لم يراع الظروف الاستثنائية التي تخرج عن إرادته فتوقعه تحت طائلة قانون ظالم، وهو قانون بشري وضعه إنسان.
في حين أن الشرع الحنيف قد وضع القانون الإنساني النبيل، فالآية الكريمة في سورة ''البقرة'' تقول: ''بسم الله الرحمن الرحيم'' ''وإن كان ذو عُسرة فنظرةٌ إلى ميْسرة وأن تصدَّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون''.
والمعنى واضح أن عليكم أن ترحموا المعسرين العاجزين عن دفع ما عليهم من ديون، وأن تنتظروا عليهم إلى أن ييسر الله لهم دفع ما عليهم من دين، وكيف نخالف قاعدة دينية ونحن في بلد مسلم يتحرك وفق قواعد الإسلام الحنيف.
إن الأخذ بفكرة الدكتور ''النويصر'' سوف يحل قضايا كثيرة، وما أكثر المتعثرين في السجون الآن، إن على جمعيات حقوق الإنسان أن تلتفت لهذه الفكرة النبيلة، وأن تعمل ليس ما تستطيعه، ولكن أكثر مما تستطيع حتى تسقط هذا القانون الظالم، وأن تعمل على فك قيد هؤلاء الذين تم سجنهم بلا جريمة. يبقى أن يكون المتعثر متعثراً ''بجد'' وألا يكون ممن يمارسون النصب والاختلاس والسرّقة والتزوير والرشوة.
إن فكرة إلغاء عقوبة السجن في قضايا الحق الخاص تستحق الاهتمام ليس من المسؤولين فقط، ولكن أيضاً من جمعيات حقوق الإنسان التي أصبح لها دور في مجتمعنا المسلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي