تنمية مكارم الأخلاق في رمضان
في الحلقة السابقة وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك تحدثنا عما يتميز به الإسلام عقيدة وشريعة بأن جعل الله تعالى العلم يسبق العمل في العبادات وكل الأعمال الصالحة، وبذلك يتفقه المسلم في دينه فتستقر نيته وينعكس هذا على خُلقه وتعامله مع الناس، لذلك سبقت التربية التعليم، وسبق التعليم التدريب حتى ترتبط النظريات بالتطبيق. وفي هذه الآلية والنسق السليم وإذا ما تم الصبر في كل تلكم المراحل، وتحمل ما قد ينشأ من إزعاج ونصب، فإن كل ذلك يؤدي لبروز المعلمين الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية التعليم والتدريب للأجيال القادمة. وأشرنا إلى مواسم العبادة، وأنها فرصة لمراجعة النفس والتشمير عن السواعد لبذل الجهود لنيل الثواب بكل ما يستطيعه المسلم من العبادات، وأن رمضان أشبه ما يكون بالجامعة التي يتعلم فيها المسلم الكثير. وأشرنا إلى أن (التقوى) هي الهدف الذي يسعى لرفع مستواه المسلم في رمضان، وذكرنا الأصناف الثمانية الذين تؤدى لهم الزكاة وأهمهم الفقراء والمساكين، وأن طول فترات الصلوات والتراويح والقيام وقراءة القرآن وتأدية الزكاة والتوسع في الصدقات وتحمل العطش والجوع أثناء الصيام، يؤدي كل ذلك إلى سمو روح الصائم ونفسه ورجاحة عقله وقوة بدنه (صوموا تصحوا)، كما يتشجع الصائم بزيادة الإنفاق والحرص على الورع في الصيام، وفهم ما يقرأ من القرآن الكريم، والصبر على الأذى، وضبط النفس عندما يسمع ما لا يرضيه فيقول: إني صائم، ويعرف أن العمرة في رمضان تعدل حجة: وأن الله تعالى اختص الصائمين بالأجر بنفسه العلية، وأن دعوة الصائم مستجابة عند فطره وأن في رمضان ليلة القدر، وغير ذلك من فضل ومكارم للصائمين. كل ذلك يجعل الصائم متحلياً بالصفات الخمس التالية:
(التقوى) بالتزامه بما أمر الله واجتناب نواهيه، والبعد عن العصيان والفساد، (الصبر) وتحمل كل ما يزعجه والبعد عن القلق والجزع، (الكرم) بما يُنفق من الزكاة والصدقات مبتعداً عن البخل والتقتير، (السماحة) بأن يكون متسامحاً وليناً مع من أساء إليه والبعد عن المطالبة بالثأر، (الانضباط) بالالتزام بموعد الإمساك والحرص على الإفطار بمجرد سماع آذان المغرب ومبتعداً عن العشوائية والفوضى والإهمال وعدم الدقة. كل هذه المكارم تجعل الصائم مهتماً بحقوق الرحمة والإحسان للفقراء والمساكين ومحارباً للفقر صبورا ومتحملاً لإلحاح المحتاجين والسائلين والمحرومين، كما أن التقوى تجعل الصائم حريصاً على العدل وعدم الظلم، وهكذا نجد أن حقوق الإنسان تترعرع في رمضان ويجد الفقراء والمساكين فرصة لهم للحصول على ما يساعدهم من المال ثم تنعكس كل تلك الصفات الكريمة على تصرفات الصائم في بقية الأيام، وفي الحلقة القادمة (186) نعود مرة أخرى لنكمل ما بقي من معلومات عن برامج التثقيف الذي تقوم به الأمم المتحدة لنشر ثقافة حقوق الإنسان عالمياً.