بشار الأسد.. هذا جناه أبي علي

لم يكن بشار الأسد الخليفة الذي جرى إعداده على مدى سنوات ليخلف والده، فقد كانت الأنظار كلها تتجه نحو باسل الابن البكر لحافظ الأسد، فتأهيله العسكري والحزبي منذ صغره، وتسلمه قيادة الحرس الجمهوري، كل ذلك جعل منه صورة عن أبيه، وخليفة لا ينازع، إلا أن وفاته المفاجئة فيما أعلن أنه حادث سيارة قرب مطار دمشق في كانون الثاني (يناير) من عام 1994، جعل الأنظار تتجه نحو الابن الثاني بشار ليخلف أبيه، فانتسب طبيب العيون بشار إلى القوات المسلحة، وتدرج فيها سريعاً، في سباق مع الزمن ليكون مهيئاً للخلافة، وحين توفي والده في حزيران (يونيو) من عام 2000 كان بشار دون الخامسة والثلاثين، فتمت ترقيته إلى رتبة فريق، كما عدل الدستور لخفض الحد الأدنى لعمر الرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاما، ليصبح رئيساً للجمهورية.
بشار الأسد وضعته الصدفة في وجه المسؤولية، وجيء به ليلبس جلباب أبيه، ويحكم عبر الحرس القديم الذي أراد من بشار أن يكون واجهة فحسب، ويبقى الوضع على ما هو عليه، وكان هناك اعتقاد أن بشاراً لن يستسلم لهذا الوضع، وأنه سيسارع إلى إصلاح الأوضاع، ونقل سورية إلى مرحلة جديدة بعيداً عن مآسي المرحلة السابقة، وهذا ما حاول فعله في بداية رئاسته، فسعى إلى تحقيق انفراج بسيط في مجال الحريات، وبعض انفتاح في المجال الاقتصادي، إلا أن قوة الحرس القديم وتشعب مصالحه وارتباطاته وسيطرته على الجيش والقطاعات الأمنية، دفع بشاراً إلى أن يتراجع عما طرحه من أفكار ورؤى، وانتهى به الأمر إلى التسليم، وعاش الشعب السوري في مرحلة الابن الظروف والأوضاع نفسها التي عاشها في حياة الأب، قمع للحريات وتضييق على الناس، ورعب تبثه أجهزة أمن متشعبة، تحصي حركات وسكنات الناس، وكانت الورقة التي يشهرها النظام في وجه كل نقد يوجه إليه أن سبب هذا النقد وقوفه مع المقاومة، ولأنه دولة الممانعة الوحيدة في وجه إسرائيل، وحين بدأت الانتفاضات الشعبية تعم المدن السورية، خرج بشار وأطلق وعوداً بالإصلاح، إلا أن هذه الوعود سريعاً ما ألغتها أجهزة الأمن التي قامت بالتعامل مع هذه الانتفاضات بعنف شديد.
ما يحدث في سورية الآن، وإن كانت هناك قوى نافذة تدير أجهزة الأمن ووحدات الجيش التي تقوم بهذه العمليات، إلا أن بشاراً يظل في واجهة المسؤولية، فهو من سيتحمل ما يحدث، أما الفاعلون الحقيقيون فسيغيب كثيرٌ منهم عن المسؤولية، بعد أن يلقوا بتبعات ما جرى على الرئيس، فما يحدث من جرائم يتحملها من يقود البلاد لا من يديرها، وحسني مبارك شاهدٌ على ذلك، فالقفص الذي وضع فيه مع ابنيه لم يضم معه إلا عدداً قليل من المسؤولين، أما من استفادوا من الوضع وأثروا منه فقد هربوا بثرواتهم إلى الخارج وهم الآن يرقبون ما يجري من محاكمات من منتجعاتهم عبر شاشات التلفاز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي