سلمان الإنسان.. وأميرة الخير

قلبي مع سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز الرجل والإنسان وصاحب المواقف النبيلة في فاجعته وفاة الأميرة سلطانة بنت تركي بن أحمد السديري والدة الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز - رحمهما الله. وبينما أقدم لسموه واجب العزاء وسط الجو المجلل بعواطف جياشة من المواطنين والمقيمين تسابقوا لتقديم واجب العزاء رسموا خريطة حب لرجل دولة يحمل سمات قدرة قيادية فريدة له حضوره المميز والمواقف الإنسانية الفريدة مع أبناء الوطن.
هذا الحضور الكبير في مناسبة حزينة إلى قصر الأمير سلمان لمواساته في فقدان رفيقة دربه وعمره الأميرة سلطانة السديري، التي تجسد سيرة حياتها جزءا مهما من تاريخ الدولة السعودية، فهي قد ولدت بعد الإنجاز التاريخي للمغفور له الملك عبد العزيز بتوحيد المملكة بتسع سنوات تقريبا وسط أتون الحرب العالمية الثانية، وعاشت بناء دولة حديثة عصرية بمراحلها المختلفة وتطورها منذ عهد المؤسس إلى اليوم، وشهدت تأسيس أول مدرسة للبنات والتحاق الفتيات بالتعليم بمراحله المختلفة ووصول المرأة السعودية إلى أرفع المناصب.
لقد كان للفقيدة "أميرة الخير" - يرحمها الله - حضورها الكبير في حياة الكثير من أبناء المجتمع بمواقفها الإنسانية التي يشهد بها الجميع، وكانت مآثرها الحديث المشترك للمعزين، مواقف كثيرة تدل على كرمها وأصالتها ونبلها.
وكسبت كرفيق دربها سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز محبة الناس، ففي مدرسة سلطانة بعيدا عن أبنائها الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز والأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز - رحمهما الله - والأمير سلطان بن سلمان والأمير عبد العزيز بن سلمان والأمير الدكتور فيصل بن سلمان والأميرة الدكتورة حصة بنت سلمان، مآثر كثيرة لا تحصى لكثرتها وتشعبها واتساعها، فقد كانت شخصية مجتمع وأميرة لكل زمن، تعكس صورة المرأة السعودية الواعية المتلمسة لحاجة مجتمعها، واكتسب أبناؤها من شخصيتها المؤثرة الكثير من الصفات الحميدة، فقد كانت تتفانى في حب عمل الخير، وسيرتها العطرة كأم وسيدة فاعلة في مجتمعها حملت تجربة مملوءة بالدروس والمواعظ الطيبة، فقد كانت - رحمها الله - عنوانا للرعاية الاجتماعية والإنسانية.

وأذكر موقفا شخصيا لي معها يعود إلى عام 1990 أثناء أزمة الخليج واحتلال جيش صدام حسين الكويت وكانت تتابع حوارا على قناة cnn كنت طرفا فيه مع السفير السوفياتي في الأمم المتحدة، وكان يجلس معها ابنها الأمير أحمد بن سلمان - رحمه الله - واحتد الحوار بيني وبين السفير الروسي، وبعد انتهاء الحوار سألت الأمير أحمد - رحمه الله - عني فقال لها إنه رئيس تحرير "عرب نيوز"، فقالت "بلغه إنني شاهدت حواره وأنه تحدث بشجاعة أمام السفير الروسي". وأبلغني الأمير بما قالته، وعبرت له عن شكري لرأي سمو الأميرة والدته وسعادتي بثنائها على حواري، وقلت له: الأميرة سلطانة والدتكم شاهدتني، بينما أمي الذي تمنيت أن تراني لم تشاهدني، لأن ليس لديها (دش)، فنقل لها كلامي تماما، وفي اليوم التالي فوجئت والدتي بمهندسين وفنيين يحملون هديتها لوالدتي عبارة عن (دش) كي تستطيع أن تراني.
هذه القصة أذكرها اليوم كي أوضح للقارئ الكريم كم كانت عظيمة القلب متابعة لشؤون بلدها ومحيطها الإقليمي والدولي، وكم كانت إنسانة رقيقية المشاعر.

هذه السيدة أميرة الخير لم تكن أماً عادية، فقد ربت أبناءها التربية الصالحة، ولها مقولتها الشهيرة في عام 1985 إبان صعود الأمير سلطان إلى الفضاء "أخرجت أبنائي من أمومتي إلى أمومة الوطن ولا أرى ما يراه الناس من أنه رائد الفضاء العربي المسلم فقط، إنما هو قطعة مني أهديته للوطن، وإنجازه لا يحسب له أو لي، بل هو حق للوطن". فقد حرصت على غرس حب الوطن في قلوب أبنائها، إضافة إلى بذر حب العمل الخيري، وتقول: "أنا لست أما لسلطان وحده، بل لفهد، أحمد، عبد العزيز، فيصل، وحصة، ربيتهم للوطن ولم أربهم لي وحدي".
اللهم ارحم الأميرة سلطانة بنت تركي بن أحمد السديري والدة الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز بواسع رحمتك ومغفرتك، وأسكنها روضة من رياض الجنة، وألهم الأمير سلمان وأبناءها سلطان وعبد العزيز وفيصل وشقيقتهم حصة الصبر والسلوان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي