أين دور الرقابة البلدية أيتها الوزارة؟!
أصبح التطور والتنظيم في الشؤون البلدية يمثل مستوى الرقي لأي أمة، فالنهضة التركية الأخيرة والتي قفزت بتركيا إلى الدول العشرين، لم تقم إلا من خلال التجربة البلدية، فالكل يعلم أن شوارع إسطنبول منذ أكثر من عشر سنوات كانت قريبة جداً من الكثير من عواصم المناطق المتخلفة من حيث وجود القمامات في الشوارع وعدم وجود النقل العام، ذلك على الرغم من الميزانيات الكبيرة المخصصة لهم، أما الآن فيحق لهم أن يفتخروا بحصولهم على أنظف مدينة في العالم، حتى إنهم أصبحوا يبيعون تجربتهم البلدية إلى أكبر الدول المتقدمة.
وضع البلديات لدينا وضع يرثى له، فالنظافة لدينا جيدة وهذا - بحمد الله - ثم على الميزانيات الكبيرة التي تصرف على شركات الهوامير، ولكن أين دور البلديات في الإشراف على المباني؟! فهنالك وبدون مبالغة غالبية العمارات التجارية والدبلكسات والبيوت الجاهزة تشيد وفي أرقى المناطق السكنية (بسرعة خيالية) بأدنى المواصفات، فترى المواصفات الرديئة للسباكة والكهرباء ونحوها، كما ترى غالبيتهم يستخدمون البلوك غير المعزول حتى يقلل من تكاليف البناء، فهذا التصرف سوف يدفع ضريبته الشخص المستأجر أو المشتري في دفع مبالغ كبيرة لفواتير الكهرباء، وقد شددت شركة الكهرباء كثيراً على ضرورة وجود العزل الحراري كما قام العديد من الباحثين السعوديين في كليات الهندسة بتجارب بيوت تجريبية وجدوا فيها توفير أكثر من 75 في المائة من الطاقة باستخدام الأبنية المعزولة وبمواصفات غير تعجيزية، ولكن اليد الواحدة لا تصفق.. طالما أن الوزارة وبلدياتها المسؤولة في سبات عميق. فبعض القياديين فيها يتعذر بنقص الكوادر، أو ضعف رواتبهم مما يجعلهم عرضة للتساهل وتغميض الأعين عن بعض الأخطاء، ولكنهم - ما شاء الله - بعضهم نار مؤصدة على بعض المواطنين!! سألت أحد رؤساء البلديات في مكتبه عن بعض الملاحظات بخصوص منطقته، فقال لي بصريح العبارة: هل تعلم أني إذا خرجت من عملي لا ألتفت إلى أي شيء يخص العمل (متبلد الشعور خارج العمل)!! ولكنه بالطبع يقضٌُ (بكل حواسه) في معرفة العقارات وأماكن المنح وغيرها!!.
فانطلاقاً من مبدأ النصح والتناصح الذي هو أصل من أصول الإدارة الناجحة، أود أن أقترح حلولاً بسيطة لحماية المواطن وتفعيل دور البلديات:
1) حبذا أن يقوم مديرو البلديات بالتأكيد على تقيد جميع المباني بشروط الأمانات المتمثلة في عزل الجدران الخارجية وسماكة الجدران الداخلية، وهذا يستوجب أن يقوم سعادة المهندس مدير البلدية بزيارات تفقدية وبرفقة المراقبين، فيشكرهم ويكافئهم إن كانوا قد قاموا بالواجب أو محاسبتهم على أخطائهم.
2) كم نتمنى أن يخرج سمو معالي الوزير وبرفقة مديري البلديات المعنية وبعض المهندسين بزيارات عشوائية يقومون خلالها بفحص نوع البناء والتأكد أنه مطابق للمواصفات، فهذا الإجراء من سموه سوف يخلق هيبة وتخوف في جميع البلديات، كما أنه إجراء شرعي قام به الخليفة عمر بن الخطاب، فقد كان يتابع شؤون رعيته حتى الذي يبيع الحليب !!
3) انطلاقا من مبدأ محاربة الفساد الذي تبنته الدولة أخيراً، ينبغي أن تكون هنالك جهة في الوزارة لاستقبال أي أخبار أو شكوى عن أي مخالفة تخص البناء، وقد أقترح أن يكون لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرط والدوريات الأمنية دور في ذلك، خصوصاً أن لديهم مراكز في جميع الأحياء. فهذا النوع من التعاون والتنسيق بين جهات الدولة المعنية والجهات الاحتسابية قد يكون تجربة تغني عن الكثير من الجهود الرقابية. هذا والله من وراء القصد.