دفء الشرق

يبدو أن صقيع الجليد سيكون من أكثر العوامل فاعلية في إعادة الدفء إلى شرايين العلاقات الدولية. ومن المفيد تتبع تحركات الشركات النفطية العالمية في هذا الصدد. فالاتفاقيات التي تنشط بها تلك الشركات في مجال الحفر والتنقيب يمكن اعتمادها كمؤشر على تطورات سياسية واقتصادية لاحقة. فهناك ولع شديد بمصادر الطاقة الروسية والذي جاء واضحا من خلال الاتفاقيات الأخيرة التي تجريها شركة النفط العملاقة بريتيش بتروليوم مع شركات روسية مثل روزنفت من أجل التنقيب عن البترول للجرف الروسي في القطب الشمالي. كما أن الأبواب بدأت تفتح للشركات الروسية للاستثمار في قطاعات استراتيجية في أوروبا كانت حكرا على الشركات الغربية فقط.
كما تعمد بعض الشركات النفطية إلى اعتماد سياسيين سابقين ضمن طاقم مستشاريها لإدارة الكثير من الملفات الاستراتيجية والاتفاقيات الخارجية. كما هو الحال في تعيين مستشار ألمانيا السابق جيرهارد شرويدر كمستشار لشركة غازبروم الروسية الحكومية. شرويدر يتولى كذلك رئاسة لجنة المساهمين في خط غاز شمال أوروبا أو ما يسمى بالسيل الشمالي، الذي يتولى نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة. وقد هدأت حدة الانتقادات لإنشاء هذا الخط، بعد أن جاء التبرير، وخاصة من شرويدر المدافع الأكبر عن هذا الأمر، بأن أوروبا لا يمكنها الاستغناء عن الغاز الروسي بسبب تسارع حركة التطور والنمو في أوروبا. لكن ما أغفلته التبريرات أن أوروبا تدخل عصرا جديدا من التجمد الذي تفضحه درجات الحرارة المنخفضة التي ستنطبع بها الشتاءات الأوروبية المستقبلية.
ويبدو أن بريتيش بتروليوم تتحمل جزءا كبيرا من اللوم على ما ستؤول إليه التغيرات المناخية في العالم، فكارثة التسرب النفطي الذي تسببت بها منصتها في خليج المكسيك أهدرت أكثر من مليار لتر من النفط. كما أن الشركة استخدمت ملايين المواد الكيماوية لإغراق البقعة النفطية والحد من انتشارها على السطح. لجوء الشركة إلى استخدام تلك المواد كان بدافع التقليل من حجم الغرامات المالية التي ستدفعها للحكومة الأمريكية، لأنه كلما اتسعت البقعة على السطح، تزيد التكلفة على الشركة وبالتالي كان الحل بإغراقها بأطنان من الكيماويات في قاع المحيط. لكن من خليج المكسيك ينطلق ما يسمى بتيار الخليج الذي يدفع التيارات البحرية الدافئة باتجاه شمال الأطلسي مرورا بسواحل أوروبا الشمالية. هذا التيار يرفع درجات الحرارة في أمريكا والكثير من بلدان أوروبا بأكثر من ثماني درجات، لكن البقعة النفطية العملاقة التي تسربت في أعماق المحيط أبطأت حركته إلى حد كبير الأمر الذي انعكس شتاء قارسا في 2010 في الكثير من المناطق الأوروبية. فألمانيا شهدت أكثر الفصول برودة منذ أكثر من 100 عام وانخفضت درجات الحرارة بأكثر من المعتاد في بريطانيا والدول الاسكندنافية. كما يتوقع أن تزداد احتياجات أوروبا من الطاقة بأكثر من الضعف خلال العقد المقبل، إضافة إلى ارتفاع تكلفة إنشاء البنى التحتية لتتلاءم مع التغيرات المناخية الجديدة.
وقد تنبأ الكثير من مراكز الأبحاث المناخية أن تنتشر مناخات سيبيرية في أماكن مختلفة من العالم، مما سيؤدي إلى إعادة تموضع للسكان وهجرتهم إلى أماكن الدفء وبالأخص إلى أحضان الشرق الأوسط الدافئ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي