نحو خريطة طريق عربية لإنقاذ الصومال

في خضم ربيع الثورات العربية نسي الجميع أمر الصومال الذي أضحى كأنه شأن غير عربي. فالصومال الذي كان يمثل فيما مضى نموذجا للمجتمع المتجانس الذي يملك هوية وثقافة وطنية واحدة أضحى اليوم على العكس من ذلك تماما، حيث يقدم بحسبانه النمط المثالي لما تكون عليه الدولة الفاشلة. وقد تدافع الجميع من أجل علاج ما بات يعرف في أدبيات الأزمات الدولية باسم ''المرض الصومالي''، حيث عقدت اجتماعات في كمبالا ونيروبي وأديس بابا وجيبوتي ولندن وروما وغيرها من عواصم العالم. والمثير للدهشة والاستغراب معاُ أن العرب اكتفوا بالدعوة كل عام من خلال جامعتهم التي تجاوزتها الأحداث إلى حل الأزمة الصومالية بالحوار والتفاوض ونبذ الخلاف والانقسام بين أبناء الشعب الصومالي الواحد.
فشل التدويل
يبدو أن الصومال مقبلة على أزمة قيادة معقدة. إذ إنه بعد مضي أكثر من ست سنوات على تولي الحكومة الصومالية الحالية برعاية شيخ شريف شيخ أحمد مقاليد الحكم في البلاد اتضح للعيان أنها حكومة عاجزة وفاشلة ولم تحقق أياً من الأهداف المرجوة من وراء وجودها في السلطة. لقد أنيط بمؤسسات الحكم الانتقالية في الصومال تحقيق المهام الأربع التالية:
أولاً: التواصل مع جميع القوى المعارضة في الصومال بما في ذلك شباب المجاهدين بهدف تحقيق المصالحة الوطنية.
ثانياً: تأسيس نمط الحكم الفيدرالي في غضون 90 يوماً من تبوء حكومة شيخ شريف السلطة، وتعيين لجنة مستقلة لوضع دستور فيدرالي جديد للصومال.
ثالثاً: إجراء تعداد وطني للسكان بما يسهل عملية الاستفتاء على الدستور الجديد.
رابعاُ: استعادة السلام والاستقرار في ربوع الصومال بما يمكن من إقامة نظام حكم ديمقراطي سليم.
وطوال الأعوام الماضية ظلت هذه الأهداف مجرد حبر على ورق ولم يتحقق منها شيء على الإطلاق. وعليه فإن ولاية جميع المؤسسات الفيدرالية الانتقالية بما فيها الحكومة ستنتهي بنهاية آب (أغسطس) 2011. وطبقاً للميثاق الاتحادي الانتقالي لا تمتلك الحكومة الانتقالية صلاحية تمديد ولايتها لفترة أخرى. وعليه فإن الجدل الدائر اليوم حول الصومال، الذي يدور في الأغلب الأعم خارج أراضيه يرتبط بمستقبل مؤسسات الحكم الانتقالية الحالية في الصومال. وقد تم الاتفاق أخيرا على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه وتمديد ولاية الحكم الانتقالي في الصومال لمدة عام آخر.
اختلاف وتباين الرؤى
من الملاحظ أن القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الصومال منشغلة بإيجاد مخرج لأزمة الحكم وسد فراغ السلطة الذي يمكن أن يحدث في الصومال. بيد أن ثمة حالة من الاستقطاب الواضحة إزاء الحلول المقدمة. فعلى الصعيد الإقليمي تدفع الهيئة الحكومية للتنمية المعروفة باسم ''الإيجاد'' مدعومة من قبل الاتحاد الإفريقي في اتجاه تمديد فترة البرلمان الاتحادي الانتقالي الحالي لمدة ثلاث سنوات أخرى.
ويبدو أن رئيس البرلمان حسن شريف يؤيد هذا الاقتراح. وفي المقابل فإن الدول المانحة والأمم المتحدة تحاول أن تغسل أيديها من تلك المقترحات الإفريقية باعتبار أنها تسيء للمبادئ الديمقراطية ولخيارات الشعب الصومالي. يعني ذلك أن هناك مخاوف دولية حقيقية من أن الدعم الدولي والغربي للحكومة الصومالية الحالية على الرغم من عجزها وعدم فاعليتها قد يؤدي إلى زيادة شعبية قوى المعارضة بزعامة الشباب المجاهدين.
ومن الواضح أن الصومال الذي عانى انهيار مؤسسات الدولة المركزية منذ عام 1991 أضحى حقل تجارب لاختيار مقولات النظام العالمي الجديد بزعامة الولايات المتحدة. فالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب قرر في بداية التسعينيات إعمال مبدأ ''التدخل الدولي الإنساني'' من خلال القيام بعملية ''استعادة الأمل في الصومال'' التي استطاعت أن تحصل على تفويض من الأمم المتحدة بعد ذلك. على أن هذه العملية الدولية لحفظ السلام في الصومال باءت بالفشل الذريع في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما أدى إلى محاولة المجتمع الدولي أن ينسى أمر الصومال وأهله تماماً حيث يصبح نسياً منسيا.
على أن الذاكرة الأمريكية والدولية التي استيقظت على أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 سرعان ما استعادت خبرة الأزمة الصومالية باعتبارها تمثل تحدياً للسلم والأمن العالمي. وجاء مبدأ جورج بوش الابن ليجعل من وجود الدول الفاشلة التحدي الأكبر للولايات المتحدة. وعليه فإن الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصومال منذ نحو 20 عاماً تركز على الجوانب الأمنية وهو ما يعني دعم قادة صوماليين موالين للغرب بما يسمح للولايات المتحدة وحلفائها بالقيام بعمليات عسكرية في مواجهة ما يسمى الحرب على الإرهاب في إفريقيا.
مخاطر التفتيت والتشرذم
بعيداً عن تخبط وتضارب المبادرات الدولية بشأن الصراع في الصومال فإن حلم الصومال الكبير الموحد أصبح اليوم صعب المنال. فإقليم أرض الصومال في شمال البلاد أعلن استقلاله من جانب واحد في عام 1991 وهو يتمتع منذ ذلك الوقت بممارسة مهام الدولة المستقلة وإن لم يعترف به أحد حتى الآن. فأرض الصومال لديها علم وعملة ونشيد وطني ومؤسسات حكومية وجهاز بيروقراطي. غير أن مواطنيها الذين يحملون جوازات سفر خاصة بهم لا يسمح لهم بالسفر إلا لجهات ثلاث هي جيبوتي وإثيوبيا وجنوب إفريقيا.
ويلاحظ أن إثيوبيا تكاد من الناحية الواقعية تعترف بجمهورية أرض الصومال، حيث تحتفظ بمكتب تمثيل تجاري لها في هرجيسا عاصمة الإقليم كما أنها تتمتع بحق استخدام ميناء بربره للأغراض التجارية. وإلى جانب هذا الاعتراف الواقعي الإثيوبي بأرض الصومال تتجه دول أخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى التعامل مع سلطات هذا الإقليم بغية تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وللمساعدة في محاربة القرصنة الدولية في خليج عدن.
وعلى صعيد آخر أشار عديد من التقارير الدولية إلى أن السلطات الكينية وقفت وراء إعلان دولة ''جوبالاند'' أو أزانيا في جنوب غرب الصومال في أوائل نيسان (أبريل) 2011، وذلك بهدف احتواء المعارضة الصومالية بزعامة شباب المجاهدين وإبعادهم عن مناطق الحدود الكينية. ويرأس هذه الدولة الصومالية الجديدة البروفيسور محمد عبدي محمد (الملقب بغاندي) الذي عمل وزيرا للدفاع في الحكومة الصومالية الانتقالية عام 2009. وتتخذ جوبالاند عاصمة لها في مدينة كيسمايو على ساحل المحيط الهندي. وهي المدينة التي ظلت تحت سيطرة تحالف من شباب المجاهدين وبعض الميليشيات القبلية الأخرى.
وبغض النظر عن المصالح الأمنية الكينية التي يمكن أن تفسر لنا دوافع المساندة الكينية لإنشاء هذه الدويلة الصومالية الجديدة فإن الهدف الاستراتيجي الأشمل يتمثل في محاولة القضاء على حلم الصومال الكبير الذي كان يلامس خيال وأماني المجتمعات الصومالية التي تقطن في الإقليم الشمالي الشرقي لكينيا. وعليه فإن السلطات الكينية لا تخشى فقط من هجمات شباب المجاهدين، ولكن من تأثير إحياء الروح الوطنية الصومالية بين الجاليات الصومالية في كينيا. وتشير بعض تسريبات ''ويكيليكس'' إلى أن إثيوبيا على الرغم من عدم تحمسها لإنشاء دولة جوبالاند فإنها تبادلت المعلومات الاستخباراتية مع كينيا بغرض إنجاح المساعي الكينية الهادفة لتقويض وإضعاف سلطة شباب المجاهدين.
وإذا كانت ولاية بونت لاند التي اشتهرت قديماً بأنها أراضي البخور، حيث زارتها الملكة المصرية حتشبسوت، قد أعلنت في عام 1998 عن تأسيس حكم إقليمي شبه مستقل، فإن المشهد الصومالي العام يتجه شيئاً فشيئاً نحو مزيد من التعقيد والتشابك، بل اختلاط الأوراق، وهو ما يعني صعوبة الخروج من المأزق الصومالي.
وأحسب أنه إذا كان الجميع يتدافعون على الصومال لتحقيق مصالحهم ومآربهم، فإنه علينا نحن العرب أن ندرك أن الصومال شأن عربي وإسلامي. فذاكرة الأنظمة العربية الواهنة يبدو أنها سئمت من المسألة الصومالية فلفظتها ودعتها تغرق في مياه المحيط الهندي العميقة. إن وعي الشعوب العربية الذي أنهى ما أطلق عليه في أدبيات التحولات الديمقراطية ظاهرة ''الاستثناء العربي'' قد يعيد الأمل للصوماليين على اعتبار أنهم خط الدفاع الأساسي عن أطراف العالمين العربي والإسلامي في القارة الإفريقية.
ويمكن لبعض القوى العربية الفاعلة مثل مصر والسعودية وقطر أن تساعد على عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية في عموم الصومال ودون تدخلات خارجية على غرار ما حدث في إقليم أرض الصومال عام 1991. وتتمثل القضايا الأساسية للخروج من الأزمة الصومالية الراهنة في مسائل الأمن والحكم الصالح وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إذ إن تحسن الأمن في الصومال يعني زيادة الثقة بين الصوماليين بجميع شرائحهم ومن يمثلهم في الحكم. وربما يعزى غياب الأمن إلى انتشار الفساد على نطاق واسع والاستراتيجيات الخاطئة لتوزيع المعونات الخارجية وعدم احترام ثقافة وتقاليد المجتمع الصومالي. وعليه فإن الدول العربية المعنية تستطيع أن تساهم في الإشراف على وتدريب قوات أمنية صومالية تخضع للمساءلة والمحاسبة.
أما في مجال الحكم الصالح فإنه ينبغي تطبيق قواعد الشفافية والمساءلة واحترام حقوق الإنسان، بما يعني القضاء على سياسة الإفلات من العقاب أو تعيين زعماء الحرب السابقين في الوظائف الحكومية. وعلى صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية فإن نموذج التنمية المقترح ينبغي أن يكون موجهاً للصوماليين وبقيادة صومالية خالصة سواء من قبل قيادات المجتمع المدني أو مؤسسات الحكم المختلفة. ونظراً لأن غالبية الشعب الصومالي تعتمد على قطاع الزراعة والثروة الحيوانية. فإنه من الأحرى توجيه الدعم والمساعدة لتنمية هذا القطاع الحيوي.
إن على العرب بعد أن استعادوا الوعي بذاتهم الحضارية التحرك للدفاع عن أركان نظامهم الإقليمي في مواجهة التحديات الهائلة التي يطرحها عليهم عصر العولمة الأمريكية. وأحسب أن إعادة الاعتبار للمسألة الصومالية كونها شأناً عربيا وإسلاميا خالصاً يمثل خطوة مهمة على طريق النهوض العربي والإسلامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي