الإسكان بين الواقع والتطلعات
بما أن المجتمع السعودي يتكوَّن في غالبيته من فئة الشباب المزودين بمستوى جيد من التعليم في هذه الأيام التي سهل فيها الاتصال والتواصل والانفتاح على التطورات العالمية في مختلف المجالات؛ فإن الفجوة بين واقع الإسكان الذي تعيشه الأسر السعودية الشابة وبين تطلعاتها أصبحت متسعة، خصوصاً في ظل ما يتحقق للمملكة – ولله الحمد - من موارد مالية. ولا أقصد بالفجوة الاختلال في ميزان العرض والطلب من الناحية الكمية فقط، وإن كان تعديل ميزان العرض والطلب ذا أهمية بالغة لجعل تكاليف الإسكان ميسرة للجميع، ولكني أقصد مستوى الجودة النوعية للمساكن، وكذلك للمشاريع والأحياء السكنية. مثل هذه الجودة النوعية لا يمكن أن تحدث إلا من خلال تعديل وتطوير كثير من الأنظمة والتنظيمات والاشتراطات القديمة المتعلقة ببناء المساكن، وتصميم المشاريع الإسكانية، وتخطيط الأراضي السكنية، بحيث تسمح للمعماريين والمطورين بتقديم أفكار إبداعية في تصميم المساكن والمشاريع السكنية وتنفيذها، وكذلك من خلال الالتزام بتطبيق كود البناء، خصوصاً في مجالات السلامة والاستدامة والتيسير.
إن غالبية المنتجات الإسكانية المتوافرة في السوق السعودي اليوم، وحتى في مشاريع الإسكان الحكومية التي نفذتها وزارة الإسكان أو تعمل على تنفيذها؛ لا تزيد على نماذج تتكرر منذ 40 سنة، (سواء كان ذلك في جودة تصميمها، أو في أنظمة تشغيلها، أو في أسلوب تنفيذها، أو من ناحية المواد والمكونات المستخدمة في بنائها وإنهائها). إن متطلبات كثير من الأسر الشابة فيما يخص المسكن وتطلعاتها قد تغيرت واختلفت بفعل المتغيرات المحلية والعالمية، ومع هذا لا يزال المعنيون بقطاع الإسكان يصممون المساكن والمشاريع السكنية وينفذونها بالأسلوب نفسه دون تغيير، متجاهلين كثيراً من الظروف والمتغيرات المحيطة بالشباب في الوقت الراهن. إن استيعاب نمط معيشة الشباب، وفهم نظرتهم إلى الحياة، وأسلوب التعامل معها؛ مقومات أساسية يتعين على المعنيين بتوفير المساكن الإلمام بها؛ ليتمكنوا من تقديم منتجات إسكانية تناسب طريقة المعيشة التي تتطلع لها الأسر الشابة.
إن الفَرق – على سبيل المثال - شاسع بين المساكن التي نبنيها منذ 40 سنة من دون تغيير، وبين المساكن الذكية في هذه الأيام. إن الأسر الشابة ترغب في الحصول على هذه المساكن الذكية التي تسهل عليهم عملية إدارة المسكن والعناية به، من خلال التحكم في أنظمته وتجهيزاته جميعها (مثل: أجهزة الترفيه المنزلي، وشبكة الإضاءة، وأنظمة التكييف، وأنظمة تسخين المياه وتدفقها، وغيرها من التجهيزات)، إما بطريقة تلقائية، أو بالاتصال الهاتفي، أو عن طريق شبكة الإنترنت عن بعد. إني أكاد أجزم بأن الأسر الشابة تتطلع إلى مساكن توفر لهم الراحة البيئية مع تغير الأوضاع بين الليل والنهار، واختلاف الأجواء بين الفصول، وتمكنهم من ضبط أنظمة الترفيه والاتصالات، وتضمن تحقيق الحماية والأمن والسلامة لهم وللمسكن (من خلال التحكم في غلق الأبواب والنوافذ آلياً، والتنبيه إلى عمليات فتحها عنوة، وإطلاق أجراس الإنذار، والاتصال آلياً بالشرطة)، إضافة إلى دورها في خفض تكاليف التشغيل الدائم من خلال ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه.
إن المساكن الذكية مجرد مثال لما تطمح إليه الأسر الشابة في مساكنها، ولكنه مثال لتنبيه المعنيين بقطاع الإسكان إلى أهمية استيعاب المتغيرات التي يعيشها الشباب، والعناية بالتفاعل معها لضمان تحقيق النقلة النوعية المرجوة عند تصميم وتنفيذ مئات الآلاف من الوحدات السكنية المستهدف توفيرها خلال سنوات خطة التنمية التاسعة.
أستاذ العمارة والإسكان