كيف تحرك العاملين نحو الإنجاز؟ وقفات مع فقه التحفيز (1 من 3)

لا شك أن تحريك العاملين نحو الإنجاز ذاتيا هو ما يشغل بال المديرين، ويأخذ كثيرا من وقتهم وتفكيرهم وجهدهم، وذلك لإدراكهم أهمية ذلك في تحقيق الإنجاز والنجاح لأي مؤسسة كانت، وما يحرك العاملين نحو العمل ويدفعهم بالرغبة والحماس الذاتي هو ما بات يعرف بالتحفيز، حيث أضحى توجها مستقلا في فنون الإدارة الحديثة، وعلما له بحوثه ونظرياته وطرقه وأساليبه وأدواته بغية الوصول إلى التغيير الإيجابي نحو الأفضل وتحريك الموظفين نحو الأهداف والإنجاز.
ولا شك أن جل العاملين على مختلف مراتبهم ومناصبهم هم في حاجة إلى التحفيز في أعمالهم، فهم كغيرهم من البشر، لهم تكوينهم النفسي والفطري فيحتاجون في بيئتهم العملية إلى ما يبعث الطمأنينة والراحة النفسية ويشعل الحماس. فجاء المنهج الإسلامي لتحفيز الأفراد على إنجاز الأعمال على أكمل وجه. قال تعالى: ''مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ'' (الأنعام 160).
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة، والمثل المقتدى للقائد والمدير، والمحفز الناجح، ولكل من عليه مسؤولية هنا أو هناك، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - حريصا على تحفيز أصحابه - رضوان الله عليهم. فاستخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - التحفيز ''المنهج المحمدي'' في جميع مجالات الحياة وفي مختلف الظروف والأماكن، فمنها تحفيزه - صلى الله عليه وسلم - سراقة بن مالك يوم الهجرة وهو يريد أن يلحق به فحفزه بأن له سوارَي كسرى إن رجع وترك الرسول - صلى الله عليه وسلم. مع أن الله حَمَي رسولَه منه. بل إننا نجد أنه - عليه الصلاة والسلام - يوجّه كل شخص من الصحابة - رضي الله عنهم - إلى ما يناسبه من مهارات وقدرات، وذلك من خلال معرفة المفتاح المناسب له. فيقول - صلى الله عليه وسلّم: ''أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدّهم في أمر الله عمر وأشدّهم حياء عثمان وأقضاهم علي وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأقرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبيّ بن كعب ولكل قوم أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح''. ويستعمل مع كل شخص ما يناسبه من عوامل التحفيز، فاستعمل الحوافز المادية مع بعضهم كما جاء في توزيع غنائم حنين. واستعمل الحوافز المعنوية كما كان مع جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين قال - عليه الصلاة والسلام: ''ما أدري بأيهما أنا أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر''، وكذلك الفخر والشهرة مع أبي سفيان - رضي الله عنه - في فتح مكة فقال: ''من دخل دار أبي سفيان فهو آمن''، بل لقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحفزهم بكل أدوات التحفيز فتارة بإظهار الحب والاهتمام كما في قول ربيعة - رضي الله عنه: كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي ''سل'' فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: ''أو غير ذلك؟'' قلت: هو ذاك، قال ''فأعني على نفسك بكثرة السجود''، وتارة بلفت الانتباه كما في تقديره وذهابه للصلاة على المرأة التي كانت تكنس المسجد، وتارة بالعاطفة وذكر الحقائق كما في حديثه - صلى الله عليه وسلم - مع الأنصار يوم حنين عند تقسيم الغنائم، وتارة بالتحفيز المادي أو بالقول، أو بالسؤال والتعلم أو الإقناع أو غيرها من الأدوات والأساليب التي رسخت كمنهج ثابت على مدى التاريخ الإسلامي أكده عليّ - رضي الله عنه - في خطاب وجهَه إلى أحد الولاة، بقوله: لا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلةٍ سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان وإساءة لأهل الإساءة وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه''. وأتت بعض النظريات الحديثة اليوم لتؤكدها وتنتهجها في مناهجها الإدارية وأساليبها الحياتية، فعملية التحفيز من أهم أركان العملية الإدارية وعلى قدر نجاحنا في تحفيز الآخرين وبها نكسب احترامهم وثقتهم وحبّهم وولاءهم وإنتاجهم، والقائد المستخدم للكلمة أو الإشارة أو الأسلوب التحفيزي يعلم أنه استخدم المفتاح السحري للنجاح والإبداع والإنتاج.
إلا أن طبيعة الأفراد تتفاوت من حيث استجابتهم إلى العوامل التي تؤثر في حافزيتهم أو دافعيتهم للعمل من فرد إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى، والقائد أو المدير الناجح والفاعل من يحسن عملية التحريك الإيجابي باستعمال المفتاح المناسب للأتباع.
فلا بد من معاملة العاملين بشكل صحيح، وذلك بالتعبير عن الثقة بهم، وإشعارهم بالتقدير والاهتمام من خلال معاملتهم، كما لا بد من الوفاء بالوعود معهم، والعمل على معالجة المشكلات العملية والشخصية بشكل جيد وبطريقة إيجابية. فالعاملون لا يلتزمون تجاه مدير غير محفز، ولا يعمل على دعم وتشجيع موظفيه، فما المانع من تقديم الشكر للعامل لقاء عمل منجز بشكل جيد، وما المانع من تحرير ذلك الشكر كتابيا، يبدو أن ذلك صعب لكثير من المديرين لكنه موازن أساسي في الانتقادات، ولماذا أيضاً لا نعمل على زيادة التعاون بتقديم التهاني العامة لعمل منجز جيد، من خلال تنظيم اجتماعات خصوصية لإعادة رفع الروح المعنوية، أعتقد أن المدير بإمكانه أن يصنع الكثير في تحفيز العاملين، سواء كان تحفيزا معنويا أو ماديا، ويكفيه أن يستمد هذا من سيرة خير الخلق - صلى الله عليه وسلم - ويقتدي به فضلاً عما سيجنيه من تنامي ثقة العاملين وحبهم وولائهم للعمل، وبالتالي زيادة الإنتاجية والنجاح الكبير للمؤسسة، وعلى النقيض من ذلك يمكن للمدير هدم جدار الإبداع والطموح عندما يجهل أساليب التحفيز لموظفيه، فإذا وقف على النجاح في مؤسسته قال للعاملين إن هذا جزء من عملكم وهو واجب عليكم القيام به، قتل هذا الرجل كل الطموح، وكان يكفيه أن يقول إن نجاحكم هذا سبب تقدم مؤسستنا. لذلك فبعض المديرين ينطبق عليهم القول المشهور ''قل خيرا أو اصمت''... للحديث تتمة..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي