أغلقوا كليات العمارة!
ما لَكم تعجبون من العنوان؟ نعم أغلقوا كليات العمارة وأقسامها ما دام كلّ يرى في نفسه مهندساً خبيراً ومعمارياً مقتدراً. لا أحد يجرؤ أن يكون طبيباً ولا حتى ميكانيكي سيارات، كما أنه يتحرج كثيراً قبل أن يدعي أنه شاعر أو رسام، ولكن الجميع يتقمصون شخصية المهندسين المعماريين، ويفتون في الأعمال المعمارية، ويقدمون النصائح والتوجيهات والاستشارات الفنية والهندسية في مرحلة التصميم المعماري وكذلك في مرحلة التنفيذ للجميع سواء طلبت منهم أو لم تطلب.
فعلى سبيل المثال عندما يرغب شخص في بناء مسكن لأسرته، ويذهب إلى المكتب الاستشاري أو المعماري يبدأ في إملاء متطلباته بعدد من العناصر والفراغات بمساحات وأبعاد محددة، ولا يترك للمعماري الفرصة لتقديم أفكاره ومقترحاته من خلال برنامج مساحي وظيفي يحدد العناصر التي تحتاج إليها الأسرة بما يتوافق مع عدد أفرادها وجنسهم وأعمارهم، ويحدد مساحات الفراغات بما يتوافق مع طريقة استخدامها وتأثيثها من دون مبالغة في العناصر أو المساحات، وأن يقدّم – من ثم - تصميماً يلبِّي متطلبات الأسرة المعيشية اليومية، ويستجيب للعوامل المناخية، وتتوافق تكلفة تنفيذه بعد ذلك مع الميزانية المتاحة للأسرة.
ولا ينتهي التدخل في عمل المعماري عند هذا الحد، بل يستمر طوال فترة إعداد التصميم، حيث يستمر تعديل التصميم بناء على توجيهات الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل والجيران وغيرهم الكثير من الذين لا يبخلون بتقديم الرأي والمشورة. ثم يحصل المالك على التصميم المعماري أو ''المخطط'' بعد أن يتم اعتماده من إدارات الرخص في الأمانات، ومع هذا لا يتوقف مسلسل التدخل بالتعديلات والتغييرات في التصميم. فالجميع يرى في نفسه خبيراً وبإمكانه أن يُؤدي دور المهندسين المعماريين بكل جدارة واقتدار، ابتداء من مقاول العظم، الذي قد لا يجيد القراءة والكتابة ناهيك عن دراسة الهندسة المعمارية، وانتهاء بأصغر معلم أو عامل مشارك في التنفيذ، فكلهم يدلي بدلوه، وجميعهم لديه أفكار جاهزة للتغيير والتعديل في إعادة توزيع العناصر، وفي النظام الإنشائي، وأبعاد الأعمدة والجسور، ومقدار الحديد المستخدم فيها، وكذلك في شكل الواجهات وعناصرها الوظيفية والجمالية وفي تفصيلاتها مهما صغرت أو كبرت.
ومما يدعو إلى الأسف أن هذا الأمر لا ينطبق فقط على مباني الفيلات السكنية الخاصة بل تعداه إلى عدد من المشاريع الكبيرة. فهل يجرؤ كل شخص على أن يفتح غطاء ماكينة سيارته ويصلحها، عدا أن يعدل في مكوناتها وطريقة تجميعها؟ أو هل يجرؤ كل شخص على تشخيص مرضه، وصرف الدواء لنفسه؟ إذاً فما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة في التعدي على مهنة العمارة؟ ألأن الأعمال والمنتجات المعمارية مرتبطة بحياة الناس اليومية؟ أم لأن المعماريين قصروا في أداء دورهم على أكمل وجه، وسمحوا للآخرين بالتدخل، ولم يقفوا منهم موقفاً صارماً؟ أم لأن النتائج السلبية للتدخل غير المتخصص لا تظهر إلا بعد حين، حين ينسى الأمر، ولا ينفع الندم؟ ولو عقل هؤلاء المتدخلون لأخذوا فيما خُلقوا له وتركوا ما ليس من شأنهم فاستراحوا وأراحوا. وما لهم وما لم يعرفوه؟ ولكن الخوض في العمارة – يظهر أنه - تمكن من كثير من الأنفس فأصبح لها طبعاً وسجيّة.