القضاء العسكري والعدالة المنجزة للعسكريين
شاركت في المؤتمر الرابع لديوان المحاكمات العسكري والمجالس العسكرية، الذي عقد برعاية وتشريف الأمير خالد بن سلطان، بكلمة جاءت بعنوان ''قراءات في نظام العقوبات العسكري في الجيش السعودي''، أوضحت فيها صدور الإرادة السنية رقم 10/8/95 في 11/1/1366هـ بالموافقة على نشر نظام العقوبات للجيش العربي السعودي، فعلى رجال الجيش اتباعه، وتم تكليف وزير الدفاع بتطبيق هذا النظام.
وعلى الرغم من أن هذا النظام قديم نسبيا، إلا أننا نجد أنه يتميز بخصائص وسمات قانونية عادلة ومنصفة للمحكوم عليهم من العسكريين، تجعله من أسبق الأنظمة الجزائية في المملكة توصلاً إلى تحقيق مبادئ عامة جنائية، يجب التركيز عليها إظهاراً لأهمية هذا النظام وحُسن السياسة التشريعية التي توخاها.
إذ تنص على إنشاء ديوان المحاكمات العسكري باعتباره الجهة المختصة لمحاكمة العسكريين المتهمين بالجنح والجنايات العسكرية من أفراد وضباط وأمراء الأركان ومنسوبي الجيش بما في ذلك المتقاعدون، وكل شخص يرافق الجيش إلى ميادين القتال والمعسكرات.
وفي ذلك اتجاه محمود، في تخصيص محكمة مختصة لمحاكمة العسكريين المتهمين بالجرائم العسكرية. ويقصد بذلك الجرائم العسكرية البحتة المقصور ارتكابها على العسكريين مثل الفرار، وعدم إطاعة الأوامر، والتحدث بطريقة غير لائقة مع الأقدم، أو سوء استخدام الأسلحة والعتاد، أو الاعتداء بأي صورة على أسرار وممتلكات الجيش السعودي.
كما أن الاختصاص القضائي لديوان المحاكمات العسكرية ينحصر في حالة كون المتهم عسكرياً، وكذلك العسكريون المتقاعدون، شريطة أن يكون الجُرم ذا صبغة عسكرية أو له مساس بالجيش، وأن يكون الجُرم من الجنح والجنايات العسكرية التي ارتكبت أثناء الخدمة في الجيش ولم تظهر علائمها أو بوادر الاتهام بها إلا بعد الانفصال.
وللتأكيد على الحيدة والنزاهة عند إصدار الأحكام، إذ من غير المتصور أن ينقلب المرؤوس قاضياً ليحكم على رئيسه، فقد تمنعه النوازع الشخصية والإنسانية في الحكم على رئيسه، إما لكرهه وإما لمحبته وإما لخشيته.
لذا أكد النظام عدم اشتراك أحد من أعضاء ديوان المحاكمات يكون بينه وبين المحكوم عليه قرابة أو خصومة أو منافسة شخصية.
كما أكد النظام أن للقائد الأعلى أو وزير الدفاع حق إقرار الحكم المرفوع من ديوان المحاكمات كل فيما هو ضمن اختصاصه، كما له حق تخفيض الجزاء أو تخفيفه أو توقيفه حسبما تقتضيه وجوه المصلحة الحكومية في ذلك.
كما أنه لا يوجد من ضمن سلطات جهة التصديق إلغاء العقوبة وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
وبالتالي فإن الاختصاص القضائي لديوان المحاكمات العسكرية بالجرائم العسكرية وتطبيق الجزاءات الإرهابية والتأديبية (الانضباطية) على الفاعل والشريك، إذ إن الجنايات العسكرية الكبرى هي (الخيانة العظمى والخيانة الوطنية والخيانة الحربية والعقوبات الإرهابية التي تطبق على مرتكبي الجنايات العسكرية الكبرى هي القتل والصلب وقطع اليد والرجل من خلاف والنفي المؤبد إلى خارج المملكة أو داخلها، ومن أهم الجنايات والجنح العسكرية التي تطبق فيها العقوبات التأديبية هي سوء الاستعمال الحربي والإدارة العسكرية والاختلاس وسوء الاستعمال في الأموال والمهمات العسكرية والفرار لغير مقصد حربي وترك السلاح، ومن دلالات العدالة تأكيد النظام أن كل توقيف أو أمر بالسجن بغير نظام يظهر التحقيق براءة المحكوم عليه مما نُسب إليه يستوجب مسؤولية الآمر أيّاً كانت رتبته)، وفي ذلك حصانة قانونية من المحاكمات الكيدية.
وصفوة القول من هذا العرض أن قانون العقوبات العسكري السعودي حقق الموازنة الصعبة التي تبحث عنها قوانين عسكرية أخرى لدول مختلفة حول العالم، وهي تحقيق التوازن بين القاضي الطبيعي لكل من العسكريين والمدنيين، بحيث قصر الاختصاص القضائي للعسكريين أمام ديوان المحاكمات العسكرية على الجرائم العسكرية، تاركاً الولاية العامة للمحاكم الشرعية عن غير ذلك من الجرائم، بل إن القضاء العسكري لا يختص بقضايا الإرهاب التي يرتكبها مدنيون، وتُرك الأمر لعلاجه أمام المحاكم الشرعية بحرفية واقتدار، وسوابقنا القضائية خير شاهد على ذلك.
كما أن القول بتدخل القضاء الإداري أو العام في نظر الجرائم العسكرية كاملة أو في إحدى درجاتها أمر خطير ومرفوض لأن فيه إخلال بالأمن العسكري وأسراره، حيث نؤيد اختصاص القضاء العسكري للجرائم العسكرية.
ولقد شدتني كلمة الأمير خالد بن سلطان التي أوضح فيها أن دافعه الرئيس على حضور المؤتمر هو العدل وتحقيق العدل الذي أدعوكم أن تجعلوه هدفاً أسمى عدلا يراعي خلال الدورة القضائية من التحقيق إلى الادعاء إلى المحاكمة إلى المصادقة وتنفيذ الأحكام، ولعلي أضيف إليها الاتهام والقبض، لقد أكد سموه الكريم أن الأحكام تصدر عن تطبيق للقانون وعما يستقر في ضمير القاضي ووجدانه وقناعته، فكيف يهنأ وهو يصدر حكماً قد يؤدي إلى ظلم بريء؟ فالظلم ظلمات، ولذلك أكد سموه أحقية أن يلقى المتهم محاكمة عادلة في ظل سيادة القانون، مؤكداً ضرورة استقلال السلطة القضائية بوجه عام والقضاء العسكري بوجه خاص، داعياً إلى وضع تنظيم خاص يضمن الاستقلال التام للقضاء العسكري كإدارة مركزية مستقلة ترتبط بوزير الدفاع مباشرة، إضافة إلى وحدات لرقابة القضاء العسكري وأحكامه والتأكد من نزاهته الكاملة لتحقيق ما يصبو إليه الجميع من عدل وقسط مع إعادة لهيكلة منظمة القضاء العسكري لتطويرها ولترفع من كفاءة كوادرها وفاعلية إجراءاتها وجودة الأحكام وسرعة الفصل في الدعاوى المقامة وتقصير أمد التقاضي ومراقبة تنفيذ الأحكام، وهي أهداف لا شك مستقاة من المشروع الجليل لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم. ولعلي في مقال آخر سأستعرض المزيد مما جاء في كلمة الأمير خالد بن سلطان ليهنأ كل عسكري بقضائه العسكري طالما أن خالدا يرعاه ووزير الدفاع الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين يحميه ويرتبط به مباشرة.