عشرة .. عشرة .. عشرة

عندما تجد نفسك أمام اختيار بين بديلين خطيرين أو اتخاذ قرار مهم في حياتك، يتصارعك غالبا الكثير من الأفكار حول مميزات وعيوب كل بديل، وحول المصالح والمفاسد المتعلقة بكل خيار، وغالبا ما تحتار وتتردد.
هذا هو التحدي الكبير في اتخاذ أي قرار مهم، تلك المهمة الصعبة التي نواجهها جميعا في حياتنا الشخصية والعملية، والتي تؤدي أحيانا إلى أن تنتج عن قراراتنا نتائج رائعة على المديين القريب والبعيد، تنقل حياتنا إلى الأفضل وتفتح أمامنا أبوابا جديدة وتنقلنا إلى عالم من النجاح والإثارة، وأحيانا أخرى تكون عواقب قراراتنا تلك وخيمة نظل نعانيها سنين طويلة نذوق ويلات قرار اتخذناه من عدة أعوام لأنه بالفعل كان القرار الخاطئ.
إننا أمام هذا التحدي الحقيقي في حياتنا في حاجة ماسة إلى أدوات ووسائل ومهارات تساعدنا على اتخاذ القرار الصحيح. وقد تحدثنا في مقال سابق عن أحد أهم الوسائل والأدوات التي سلح الله بها المسلم وهو (الاستخارة) وهي وسيلة فاعلة ومؤثرة، لكنها تستخدم بعد استعمال الأدوات والوسائل الأخرى وبعد الوصول إلى القرار لتثبيته والتشجيع عليه أو التثبيط عنه والصرف منه، وليس لاتخاذ القرار بالدرجة الأولى، فالاستخارة إذن هي آخر الخطوات وليست أولاها.
أول خطوة في اتخاذ أي قرار سليم هي جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة والدقيقة عن ملابسات وحيثيات ومتعلقات هذا القرار، فبقدر ما يكون متوافرا لدينا من المعلومات بقدر ما نستطيع أن نتخذ القرار الصحيح. غير أن طريقة معالجة هذه المعلومات وطريقة التفاعل معها وتصنيفها وترتيبها واستخلاص النتائج منها بما يؤهل لاستخدامها في اتخاذ القرار هو الأمر الصعب الذي يعجز عنه الكثير.
وقد فصلت سوزي والش في كتابها (عشرة عشرة عشرة) طريقة تساعد كثيرا على عملية التعامل مع المعلومات المتعلقة باتخاذ أي قرار. تقول والش: أولا فكر في الدقائق العشر الأولى بعد اتخاذ القرار وتخيل نفسك وقد اتخذت القرار بالفعل وحاول أن تتصور كل المتغيرات النفسية والعملية التي ستحدث في الدقائق العشر الأولى بعد اتخاذ القرار. ثم تصور وتأمل بعمق كل المتغيرات والنتائج الإيجابية والسلبية التي يمكن أن تحدث بعد عشرة أشهر من القرار ثم في النهاية تأمل وتخيل وادرس كل النتائج التي يمكن أن تحدث بعد عشر سنوات من القرار. هذه طريقة عملية في تصنيف المتغيرات التي تحدث بعد كل قرار تسمى طريقة عشرة عشرة عشرة.
الدقائق العشر الأول تمثل النتائج الفورية للقرار، وتمثل أكثر ما تمثل التفاعل النفسي للقرار وكيف ستشعر بعده وهي مرحلة أغلبها عاطفي وتتعلق أيضا بطريقة قبول من حولك للقرار وكيف سيتعاملون معه وما رد الفعل على هذا القرار. أما الأشهر العشرة الأولى فتمثل النتائج قصيرة المدى للقرار وما التبعات المترتبة عليه بعد أن هدأت العواطف والمشاعر المتعلقة به، وتكون هذه عادة سهلة التوقع نوعا ما ويمكن دراستها بشكل جيد والتنبؤ بها، وأما السنوات العشر فتمثل النتائج بعيدة المدى للقرار التي يمكن أن تكون آثارها صعبة التوقع. ولا تستغربوا، فالكثير من القرارات مثل اختيار شريك الحياة أو اختيار التخصص أو البلد الذي تسكن فيه أو غير ذلك من القرارات المصيرية سيكون له أثر في حياتك كلها وليس فقط بعد عشر سنوات.
هذه الطريقة ستساعدك جدا على تحليل المعلومات والحقائق التي تجمعها حول أي قرار ووضعها في إطار زمني يضمن لك أن تفكر في جميع أبعادها قصيرة المدى وبعيدها. ستمنعك هذه الطريقة من أن تتخذ القرار بناء على ضغط عاطفي من خوف أو متعة متعلقة بالقرار، كما تعينك على أن تتذكر أن لكل قرار تبعات قصيرة وطويلة المدى. هي طريقة عملية بسيطة في تنظيم التفكير ليس إلا.
وتسهب المؤلفة في شرح الحقائق العلمية والأبحاث والتجارب في طريقة تركيب الدماغ وعمله وفي طريقة تفاعل التفكير مع العواطف وكلها تؤيد طريقة التفكير وصنع القرار هذه. ثم تورد عشرات القصص والأمثلة على طريقة تطبيق هذه الوسيلة في الحياة الشخصية والعامة.
إذن قبل أن تتخذ القرار القادم فكر في تبعات قرارك، بعد عشر دقائق، بعد عشرة أشهر، وبعد عشر سنوات، وستساعدك هذه الطريقة على اتخاذ القرار الصحيح ـ بإذن الله. هدانا الله وإياكم السداد في القول والعمل والقرار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي