6 آلاف مهندس سعودي.. ألا يستحقون كادرا يليق بهم؟
تبدو المعادلة في مشروعات التنمية التي تنفذ الخطة الاستراتيجية للدولة مختلة التوازن مع فريق العمل الهندسي الذي يعمل ويشرف ويدير تلك المشروعات في جميع القطاعات الهندسية للدولة، ففي حين أن المهندسين في دول الخليج لهم كادر خاص بهم، نجد أن المهندسين السعوديين ليس لهم أي مميزات تخصهم وليس لديهم كادر يخصهم، مع حجم المشروعات التنموية التي تنفذ اليوم، والتي ندرك أنها في مدينة واحدة كالرياض ربما تعادل أكثر من مشروعات دول من دول الخليج. تلك هي مفارقة تجعل من المهندس السعودي في بداية عمله ربما يتخلى عن مهنته وينصرف عنها ليعمل في إدارات أخرى غير هندسية بعد أن صرفت عليه خزانة الدولة مبالغ جمة تعليما وتدريبا حتى تخرج في تلك الكليات.
وكي نعرف كبر حجم ما نعنيه من هذا الاختلال في التوازن في العمل الهندسي برمته، فقد كشف هذه الأيام عن معلومة مذهلة وهي، أنه بعدما بدأت الهيئة السعودية للمهندسين في تسجيلهم، اتضح أن هناك عددا من المهندسين من الجنسيات المختلفة يفوق 140 ألف مهندس في مختلف التخصصات قدموا للمملكة يعملون في مشروعاتها ويكتسبون من الخبرات التي تضيف إليهم رصيدا مهنيا مهما في مشروعات قد لا يحلمون أن يجدوها في بلادهم ألبتة، ويذهبون بتلك الخبرات إلى بلدان أخرى كي يعملوا فيها، إذ لم يحفز المهندس السعودي لسد ذلك العجز الكبير والفجوة التي تعانيها تلك المشروعات، بأن تجد من أبناء الوطن من يدير تلك المشروعات ويعمل فيها في الوظائف الهندسية المتخصصة.
إن الفارق بين ستة آلاف يعملون في القطاع الحكومي و140 ألفا فارق كبير للغاية حتى لو تم احتساب المهندسين السعوديين العاملين في القطاع الخاص، الذين تقدر أعدادهم بـ 25 ألفا، إذ إننا ندرك أن بعض المهندسين من جنسيات أخرى قدموا بتأشيرات ليست هندسية ممن لم يحسبون في هذه المعادلة، ولذلك ندرك مع تلك الأرقام الحجم الكبير على الطلب لهذه المهنة، وما تتطلبه تلك المشروعات حال تنفيذها وبعد تنفيذها من كوادر فنية وطنية تدير وتشرف على تلك المشروعات، بل ربما تحتاج إلى خطة استراتيجية طموحة لسد ذلك العجز الكبير في تلك المهنة.
إن مهنة الهندسة تعد صنوا للطب، وتدرك الدول المتقدمة أهميتها وتعمل على تحسين البيئة التي يدرس فيها طلبة تلك المهن وتهيئ ما يجعلهم يعشقون تلك المهنة ويتفانون من أجل الإبداع فيها والتفوق فيها، والهندسة هي العمران الذي نعيشه والطرق التي نسير عليها والكهرباء التي تضيء في كل بيت وطريق وعمل، إنها حاجة التنمية التي نتطلع إليها في العصر الحديث، ونطمح إلى أن تكون المملكة رائدة في تلك المهنة التي هي عصب الاقتصاد والعمران.
لكن المهندس حينما يتخرج يفاجأ بما عليه الحال في بيئة العمل الحكومي، وأنه بعد ذلك الجهد المضني في الدراسة التي تستغرق أكثر من خمس سنوات ويتخللها تدريب على رأس العمل وغير ذلك، يجد أنها بيئة عمل غير مشجعة ألبتة في القطاع الحكومي لما تفتقده من مقومات التحفيز لهذه المهنة.
أما إذا أجرى المهندس السعودي العامل في القطاع الحكومي مقارنات بينه وبين آخرين في القطاعات المختلفة أو حتى في العقود التي يشرف عليها، فإنه يكتشف حجم الخلل في التوازن الذي أشرت إليه في بداية المقال، وأنه يتحين أي فرصة لترك تلك المسؤولية وذلك العمل المهني.
إن المهندس السعودي الذي نحمله مسؤولية كبيرة في الإشراف على التصميم والتنفيذ والصيانة وغيرها لمشروعات حكومية هي اليوم تقدر بـ 300 مليار ريال يحتاج إلى إعادة نظر في إضافة جملة من الحوافز تدفعه للعمل الجاد وتحمل تلك المسؤولية، وليس أقلها كادر يحفزه للقيام بتلك المهام الجسيمة ويوقف نزيف الهروب من تلك المهنة وذلك العمل النبيل.