عبد الله بن خميس.. الأديب الموسوعي
حين يُذكر العمل الموسوعي في بلادنا، نجد ثلاثة من الأعلام حاضرين في الذهن، وهم الشيخ حمد الجاسر، والشيخ عبد الله بن خميس، رحمهما الله، والشيخ محمد العبودي، أمد الله في عمره.
فهؤلاء الثلاثة يتصدرون أدباء وكتاب المملكة الموسوعيين، ممن عُرفوا بغزارة الإنتاج، وتعدد مجالاته، ما بين التاريخ والجغرافيا واللغة والرحلات والأمثال والإعلام، وإن كان الشيخ عبد الله بن خميس برز كذلك شاعراً، من شعراء الفصيح والنبط.
الشيخ عبد الله بن خميس، المولود عام 1339هـ (1919م) في قرية الملقى قرب الدرعية، تلقى بدايات تعليمه في الكتاتيب، مثل أبناء جيله، ثم التحق بدار التوحيد في الطائف عام 1364هـ، فبرز في نشاطاتها الثقافية، وترأس ناديها الأدبي، وبدأ اسمه يظهر للملأ كشاعر واعد، حتى أن شعره نشر في صحف مهمة، مثل أم القرى التي قد تكون من أوائل الصحف التي نشرت له.
ففي جمادى الآخرة 1366هـ (مايو 1947م) نشرت ''أم القرى'' قصيدة بعنوان (في وداع سمو الأمير فيصل) قالت في مقدمتها: ''جاءتنا من الأديب عبد الله بن محمد بن خميس الطالب بدار التوحيد بالطائف قصيدة في وداع حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بمناسبة سفره إلى أمريكا، نكتفي منها بنشر الأبيات الآتية''، ونشرت الصحيفة ثمانية أبيات مطلعها:
كفاك ألم تبلغ إلى غاية المجد أأبقيت شيئا بعد من سبل الحمد
وفي شهر صفر سنة 1368هـ (ديسمبر 1948م) نشرت ''أم القرى'' قصيدة أخرى قدمت لها بالقول: ''ننشر فيما يلي القصيدة التي ألقاها أحد طلاب مدرسة دار التوحيد عبد الله بن خميس في الحفلة التي أقيمت عند افتتاحها في مستهل هذه السنة وأشرنا إليها في عددنا الماضي''، وأوردت الصحيفة القصيدة التي جاءت في 28 بيتا، ومطلعها:
طفح البشر والسرور تبدى وزمان المنى أعاد وأبدى
وبعد أن نال عبد الله بن خميس شهادة الثانوية عام 1369هـ (1949م) انتقل إلى كلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة، ولمع اسمه في مجال الأدب نثراً وشعرا، وبعد تخرجه عام 1373هـ تولى عديدا من الوظائف الرسمية، حتى تقاعد عام 1392هـ ليتفرغ للبحث والتأليف، فرأس النادي الأدبي بالرياض، وعمل عضواً في عديد من المجامع اللغوية العربية ومجالس إدارات عدد من المؤسسات الثقافية والإعلامية، وأصدر جريدة ''الجزيرة''، كما نال عدداً من الأوسمة والجوائز.
أما نشاطه الفكري فيجمع بين الغزارة والتنوع، ما بين التاريخ والجغرافيا والرحلات والشعر، فمن الدرعية العاصمة الأولى، إلى تاريخ اليمامة، والمجاز بين اليمامة والحجاز، ومن معجم اليمامة، إلى معجم جبال الجزيرة، ومعجم أودية الجزيرة، ومعجم رمال الجزيرة، ومن الشوارد إلى الأدب الشعبي في جزيرة العرب، وفواتح الجزيرة، وأهازيج الحرب أو شعر العرضة، ومن القائل، إلى غيرها كثير من المؤلفات، كما لمع اسمه كواحد من رواد الإعلام والصحافة، حيث أسس مجلة ''الجزيرة'' التي تحولت فيما بعد إلى صحيفة.
إن من حق الشيخ عبد الله بن خميس ـــ رحمه الله ـــ على محبيه أن يُجمَع هذا التراث الثقافي المتنوع، ويقدم للقراء من خلال مؤسسة ترعى إنتاجه وتتيحه للجميع، بحيث تكون هناك مكتبة شاملة لإنتاجه، ينهل من معينها الباحثون، وتصبح مقصداً لكل من يريد الاطلاع على نتاج علم من أعلام المملكة، كان مع صاحبيه امتداداً لأعلام الثقافة والأدب من السلف الذين جمعوا بين العلم الشرعي والتبحر في مختلف مجالات العلم والأدب، وقدموا لنا نتاجاً غزيراً تعجز بعضُ مراكز الدراسات والبحوث التي تضم عشرات الباحثين عن أن تغطي بعض جوانبه.