جامعة الأميرة نورة.. ولقاء الأسرة الواحدة
قبل سنوات ليست بالقليلة، وقع مؤشر المذياع على خطاب كان يلقيه أحد الزعماء العرب، وكان يتحدث عن أوضاع عالمنا العربي، وما يراه من حلول لتلك الأوضاع، دفعني ما طرحه من آراء أن أواصل الاستماع من أجل أن أعرف من هذا الزعيم الذي يملك هذه الرؤية لأوضاع العالم العربي، وحين انتهى الخطاب، وذكر اسم ذلك الزعيم، تمنيت لو لم أستمع إليه، فما لحق بلاده أثناء حكمه من دمار، وتدمير لمدن على رؤوس ساكنيها، وما تعانيه بلاده حاليا من أوضاع، يبعث على الأسى.
تذكرت ذلك وأنا أستمع إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ وهو يعلن افتتاح المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، هذا المشروع الذي يُعد حسبما قال وزير المالية والاقتصاد الوطني الدكتور إبراهيم العساف أكبر مشروع على مستوى العالم من حيث الحجم والمكونات يتم الانتهاء منه خلال عامين وشهرين.
افتتاح هذا المشروع الجبار كان بالإمكان أن يتحول إلى مهرجان خطابي تعد له كلمة تتحدث عن منجزات الدولة في مجال التعليم وعما صرف على هذا المشروع من مبالغ كبيرة، لكن خادم الحرمين الشريفين آثر أن يكون اللقاء عائلياً، مثل كل لقاء يجمع الأسرة الواحدة، ورأينا مدى تأثير العفوية التي حيا بها ـــ حفظه الله ـــ الحضور، في منسوبات وطالبات الجامعة، وفي جميع الحاضرين.
تعليم البنات في المملكة العربية السعودية، تجربة رائدة ومتميزة، كانت في بداياتها مريرة لما واجهته من معوقات مجتمعية، إلا أن انطلاق هذا التعليم نظامياً، رغم تأخره زمنياً عن تعليم الذكور، كان مثار الإعجاب والتعجب، الإعجاب بقدرة الفتاة السعودية على مواجهة كل الصعوبات التي كان من الممكن أن تحد من طموحها، حتى استطاعت أن تحقق من المكانة العلمية ما لم يستطع كثير من الشباب تحقيقه، رغم ما وفر لهم من دعم وتسهيلات، والتعجب من أن الفتاة التي كان البعض يرى أن تعليمها يجب أن يقتصر على مجالات معينة ومحدودة، استطاعت أن تنجح في أصعب التخصصات، وتحوز تقديرا محليا وعالميا، نشهده كل يوم في مجالات الطب والفيزياء والعلوم.
يبقى مجال العمل، ففي الوقت الذي نجد فيه الشباب يعانون مزاحمة العمالة الأجنبية بشكل كبير، نرى أن مشكلة عمل الفتاة عائدة إلى معوقات مجتمعية بالدرجة الأولى، تستغل للحد من فرص عملها، وهو أمر نجده في تعثر تأنيث محال المستلزمات النسائية على سبيل المثال، ولهذا نجد أن على جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن واجباً كبيراً، يتمثل في قيادة دفة توطين وظائف المرأة، وذلك بأن تبدأ بنفسها، فلا تعتمد على شركات التشغيل التي تبحث عن الأرخص من العمالة الأجنبية، بل يتم الاعتماد على المرأة السعودية في إدارة مرافق الجامعة، حتى لو تطلب ذلك تأسيس شركات تشغيل تابعة للجامعة، تقتصر على توظيف السعوديات في مختلف مرافق الجامعة.
رحم الله الملك عبد العزيز وأخته الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، التي كانت تتمتع بالحكمة ورجاحة العقل، وكانت عضداً لأخيها، وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحمى بلادنا من كل شر.