حتى لا تتعثر المشاريع والخطط
سبق أن أشرنا في مقالنا السابق إلى أهمية التدريب في المؤسسات الحكومية، وبينا من خلال ما أدلى به معالي مدير معهد الإدارة العامة الدكتور عبد الرحمن الشقاوي من أن التدريب غدا ضرورة إدارية نحتاج إليها في قطاعاتنا ومرافقنا الحكومية ولا سيما ونحن نشهد تحولا تاريخيا فارقا، وتطورا عمرانيا ومكانيا متسارعا لم تشهد له المملكة مثيلا منذ تأسيسها. وما صرح به معاليه في الملتقى الإداري الأول الذي نظمته عمادة تطوير المهارات في جامعة الملك سعود، من تعثر 6000 مشروع، ورجوع نحو 90 مليارا من ميزانية العام الماضي لا ينبغي أن يمر علينا مرور الكرام، أو أن نحوقل بعده ونعود كأن شيئا لم يكن، بل لا يسوغ ذلك في نظري خصوصا على أولئك الذين هم في موضع القرار، وذوي التخصص والخبرة في الإدارة والتنمية والتطوير، حيث هم دون سواهم من يشخص المشكلة، ويحدد موضع الخلل فيها، وهم كذلك من عليهم أن يدعو مختلف الجهات والهيئات إلى الإصلاح والرقي، فقد مضى علينا زمانا كان فيه التريث وإطالة النظر ونظرية الوقت الكافي لا تؤثر كثيرا على مسيرتنا التنموية والتطويرية، أما اليوم فإن دوران حركة التنمية الإدارية الحديثة، وما يشهده هذا العالم من تقدم سريع في كافة الفنون والعلوم جعلت عامل الزمن والسرعة من أخص سمات المنافسة فيه، فهو ينمو ويتطور بسرعة لا تمكن المتأخرين من السباق فضلا عن المواكبة والمنافسة.
فلم يعد من نافلة القول إن التدريب الإداري القائم على خطط تدريبية زمنية مبنية على احتياجات الشريحة المستهدفة ركيزة أساسية للتقدم والرقي وعامل أساس في نجاح المنظمات هنا أو هناك، حيث من خلاله تحقق أهدافها وتبلغ آمالها وقد ربط خبراء في التنمية البشرية بين التدريب الفعال وزيادة الإنتاجية في المؤسسات وبالتالي المزيد من تحقيق الأهداف، والمزيد من النجاح. فبقدر ما تعطي تلك المؤسسات للتدريب من أهمية كبيرة، فإنه ينعكس على مستوى الإنتاجية ومستوى النجاح في تحقيق الأهداف، ولكي تتمكن المؤسسة من تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية فلابد من أن يكون التدريب مبنيا على منهجية واضحة ويهدف إلى ردم فجوة مهارية تشعر بها المنظمة ممثلة برؤساء الإدارات المباشرة للموظف وكذلك يشعر بها الموظف نفسه. من هنا تبنى خريطة تدريبية لسد تلك الفجوة المهارية وفق آليات واضحة ولفئات محددة ولبرامج مبنية على تلك الاحتياجات لتحقيق النجاح المأمول.
وأهم ما يمكن الوقوف عليه في عملية التدريب الإداري والتطوير المهني في مؤسساتنا الحكومية هو غياب التخطيط الممنهج للتدريب، وفقدان جوانب قياس الأثر لمعرفة العائد من التدريب، هذه في نظري هي مشكلة التدريب الحقيقية في مؤسساتنا الحكومية، والمبادرة في وضع استراتيجية واضحة المعالم والمقاييس للتدريب تكون متناسقة وفعالة هي أولى الخطوات العملية في الارتقاء الإداري بأدائنا وإنتاجنا، وكذلك الارتقاء بمستوى التدريب نفسه، وضبط جودته وفعاليته.
إن التدريب لا يحقق أهدافه التي يقوم من أجلها ما لم تكن ثمة دراسات ومعايير تؤكد رجوع العائد منه بشكل سريع ومباشر، بحيث تحقق المؤسسة الفائدة المرجوة منه، وتحصد الإنتاجية التي تتساوى على الأقل مع القيمة المالية للبرامج التدريبية. وهنا.. أتساءل كيف تستفيد مؤسسة من برامج تدريبية تعقدها لموظفين يوشكون على التقاعد؟.. ما الفائدة من الإنفاق الكبير في بعض البرامج التدريبية على موظفين نعرف مسبقا أن استمرارهم لن يتجاوز سنة أو سنتين..؟ ثم لماذا لا نخصص برامجنا التدريبية والتطويرية على فئة الموظفين الصاعدة التي لا تزال في مقتبل عمرها الوظيفي والمهني..؟ التي هي المؤهلة للقيام بالمهام والجديرة بالتدريب والتطوير لما ستكسبه تلك الجهة أو المؤسسة منها في المستقبل القريب والبعيد أداء وإنتاجا وإبداعا؟
إن غياب الخطط التدريبية في المنشآت الحكومية وعدم قياس العائد منه سيحيد بعملية التدريب عما وجدت من أجله وسيحرفها عن أهدافها التي تسعى القيادة الحكيمة إلى تحقيقها، كما أن الاستمرار في عدم التخطيط الفعال للتدريب سيجعلنا نتساءل عن العائد من ميزانية تصل إلى 20 مليارا خصصت له، وعن النتائج والآثار السلبية التي ستطفو على سطح مؤسساتنا وأجهزتنا الحكومية - كما حصل في العام الماضي - من تعثر مشاريع وعجز إداري وغيرها من القضايا والمشاكل التي تمس صميم مشروعنا التنموي والحضاري، الذي تمتد إليه رؤية القيادة، ويصل إليه طموح الوطن الغالي.
ونحن ننادي بضرورة الوقوف على قضايانا الإدارية والتطويرية في القطاع الحكومي وضرورة وجود خطط تدريبية لا أقدر على المغادرة دون النظر إلى جانب مضيء جدير بالإشارة إليه وبالجهود المبذولة في نشر ثقافة التطوير، والتدريب المتميز للمرؤوسين والرؤساء، فما شاهدته من خطط وبرامج تدريبية في المؤسسة العامة لتحلية المياه يستحق منا الإشادة والتقدير، وتقديم الشكر للمشرفين عليه وعلى رأسهم معالي الأستاذ فهيد الشريف، والدكتور عبد الله آل الشيخ وجميع القائمين على البرامج التدريبية في المؤسسة، حيث أحسب أن ذلك الحماس التدريبي والفاعلية والتطويرية يملآن أرجاء المؤسسة قاطبة وفق آلية واضحة لكافة فئات المنظمة، وهذا ما يدعوني في الوقت نفسه إلى توجيه دعوة صادقة بتوجيه المسار، والدفع بعجلة التطوير والتدريب إلى الأمام في كافة أجهزتنا الحكومية ..... دمتم سالمين.