حلم الملك عبد العزيز عند أبو مخروق!

المركز التربوي الإعلامي الذي أعدته أمانة منطقة الرياض لطلاب المدارس (ثالث متوسط/ أول ثانوي).. لعل فكرته تعمم في جميع المناطق، فما زال الوقت مبكرا للانتخابات، وبهذا نرد على الذين يروجون لمقاطعة الانتخابات محرضين الشباب على ذلك وهذه إساءة وطنية لا تغتفر. والترويج لقلة الإقبال على التسجيل هو جهل لأن الذين سجلوا في السابق لا يحتاجون إلى ذلك مرة أخرى.
المهم أن أمانة الرياض عبر المركز سعت للهدف التربوي الوطني في نشاطاته وهو يعكس مدى إصرار وجدية توجه الدولة لإنجاح الانتخابات البلدية.. فهي لم تطرح الانتخابات استجابة لضغوط أو لتجميل النظام السياسي، إنما هي ممارسة ضرورية تتبناها الدولة لحفز المواطنين على المشاركة في القرارات الحيوية التي تمس حياتهم اليومية، وهذا استشراف لضرورات المستقبل واستعداد لها.
في المركز يتعلم الطلاب أصول العملية الانتخابية الحضارية، فالمرشح يتواصل مع الناخبين مباشرة ليشرح برنامجه، وفي خطوة لاحقة يتقدم المرشحون في المركز الانتخابي لشرح برامجهم ثم يتلقون الأسئلة، وبعد ذلك تجري الانتخابات بطريقة شفافة، ثم تعلن لجنة فرز الأصوات المشرفة النتائج.
بالأمس أتاحت أمانة مدينة الرياض الفرصة للمشاركة في هذه التجربة التربوية، وثمة ملاحظات وانطباعات مهمة تستخلص منها، فالجانب المفرح أن الشباب في هذا العمر لديهم جراءة المبادرة والمصارحة البريئة والتعبير بتلقائية عن الأفكار والمشاعر، وهذا تطور نوعي جدير بالملاحظة ويعكس مدى حيوية الجيل القادم كثروة وطنية يجب أن نستعد لاستثمارها، وإعداد ظروف الحياة التي تضعها في سياق البناء والمشاركة الإيجابية في الحياة لأجل استدامة استقرار بلادنا وإبعادها عن مسارات مخربات الوحدة الوطنية.
حيوية المشاركة لدى الشباب في هذه السن التي قد تتفوق على قدرة من هم في آخر فصول الدراسة الجامعية، هي منجز وطني، والمؤسس العظيم الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ عندما قاد الوحدة كان حلمه أن يأتي اليوم الذي يقف فيه أبناء هذا البلد العظيم عند (جبل أبو مخروق) ليعبروا عن أفكارهم وتصوراتهم ويقدموا الانتقادات الجريئة لمؤسسات الدولة وللحكومة، ويطالبوا بالتطوير والإصلاح عبر برنامج انتخابي وعبر مشاركة حضارية في صناعة القرار الوطني والمحلي.
من جبل أبو مخروق الذي كان حينئذ علامة فارقة كبيرة لجغرافية المدينة التي كبرت وأضاعت معالم الإعمار الكبيرة فيها هذا الملتقى الجغرافي .. من هناك تضع الدولة الجيل الجديد أمام مسؤولياته في المستقبل، دولة تريد أبناءها حراسا لمستقبلهم.
في هذه التجربة البسيطة يقال للشباب الغض الذي هو أمانة في رقابنا: الأمل في مستقبل مستقر آمن منتج هو بأيديكم!
أنتم الذين تصنعونه بوعيكم وإدراككم لأهمية دوركم في حيكم ثم مدينتكم.
إنه المدخل السليم لإنتاج (المواطن الصالح) الذي يهتم بنفسه، ثم بيته، ثم حيه، ثم مدينته، ثم: وطنه الكبير.
إن خير الإنسان يبدأ من خيره لأهله ثم لمحيطه الكبير، إنها (بذرة الخير) للشجرة المباركة.
البرنامج الانتخابي الذي عرضه (المرشحون/ الطلاب) كان واقعيا وينبع من إحساسهم بالمشاكل التي تواجه سكان مدننا، تحدثوا عن الطرق وحفرياتها، عن البيئة وتدوير النفايات، عن الأسواق والمراكز التجارية ومعاناة الشباب فيها، قلة الأماكن الترفيهية، وكان لهم الإحساس المشترك بأهمية (النقل العام) في مدينة الرياض. كذلك تحدثوا عن إشكالات خارج نطاق البلديات وهي الكهرباء، المياه، صيانة المدارس، وإنهاء المدارس المستأجرة.
إن الإحساس التلقائي لهذا الجيل بهذه المشاكل، وهو أيضا ما تتفق عليه النخبة الفكرية أو القيادية في المدينة، فالإحساس بمشكلة إدارة التنمية في المدن يدركه الشباب ونرجو أن نستعد له عبر تغيير الأنظمة المالية والإدارية التي ندير بها مدننا.
إذا لم نتوجه إلى آليات وأفكار الإدارة المحلية الحقيقية، فإن تجربة الانتخابات وعكس معطياتها الإيجابية على واقع المدن قد لا تتحقق.. والأخطر أن الجيل الجديد الذي تنمو معه مشاكل المدن ويرى أن ثمة حلولا لها، ثم يرى أن هذه الحلول لا تتحقق، كيف ستكون ردة فعله تجاه واقع المدن.. فقد يرونه غريبا عنهم.
علينا أن نخشى ازدياد اغتراب الإنسان في مدينته: بالذات الشباب!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي