الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة اليابانية.. تجربة ذاتية
هذه تجربة شخصية عشتها منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي حين قام فيها المركز الإسلامي في اليابان بترجمة عدد كبير من الكتب الإسلامية إلى اللغة اليابانية. وللقيام بهذه المهمة الشاقة كلف فريق مكون من بعض المقيمين والوافدين الذين درسوا في الجامعات اليابانية والمسلمين اليابانيين. ولا يخفى أن نقل النصوص العربية إلى أي لغة يحتاج إلى معرفة مدلولات الكلمات وما تعبر عنه وخصائص تلك اللغة.
من المعلوم أن من أبرز خصائص اللغة العربية التي أشار إليها العلماء أن أبناءنا اليوم وبعد 1500 سنة يفهمون أسفار الجاهلية والمخضرمين، كما يفهمون أشعار فحول العرب المتقدمين. وكذلك من بين الخصائص التي يشير العلماء إليها أن اللغة العربية لها سيطرة كاملة على الفكر الإسلامي وأًصبحت هي لغة العلم والثقافة، وقد رفع القرآن من شأن اللغة العربية حتى صارت إحدى اللغات الرئيسية المهمة في العالم، غنية في مفرداتها، غنية في صيغ قواعدها. ولا يخفى أثر الإسلام في اللغة العربية وإنها لغة الفكر والثقافة والعقيدة لجميع المسلمين.
لقد اختلف العلماء في تعريف اللغة ومفهومها، فاللغة: اصطلاحا، نظام صوتي يمتلك سياقا اجتماعيا وثقافيا له دلالاته ورموزه وهو قابل للنمو والتطور يخضع في ذلك للظروف التاريخية والحضارية التي يمر بها المجتمع. ومن هنا عندما ننظر إلى اللغة اليابانية نجدها تعبر تعبيرا صادقا عن البيئة والحضارة والحياة اليابانية وهي ما زالت تتطور. فالشعب الياباني متمسك بلغته ولم تأخذ اليابان ولم تنبهر باللغات الأجنبية المتقدمة، وحسمت معركة اللغة تعليميا وحياتيا منذ البداية. فمن المعروف أنه لا يمكن لأمة أن تبدع علميا إلا بلغتها الأم، ولا يستمع العالم لأمة تتحدث بلغة غيرها، وعلينا ألا ننظر إلى اللغة بوصفها مجموعة من الأصوات وجملة من الألفاظ والتراكيب.
إرساء قواعد نهضة اليابان الحديثة يعود إلى عام 1868م عندما صدر مرسوم التعليم في عهد الإمبراطور ميجي الذي بدأ حكمه في 3/11/1852م وسمي عهده (الميجي) أي الحكم المستنير. وأهم فقرة في هذات المرسوم هي الخامسة التي تنص على التعليم: (سوف يجري العمل على جمع المعارف من شتى أنحاء العالم أجمع، وعلى هذا النحو سوف ترسخ الإمبراطورية على أسس متينة).
عندما صدر هذا المرسوم كان العالم الإسلامي متقدما على اليابان وكانت لها علاقات حميمة وجيدة معه، وللأسف لم تشهد العلاقات الثقافية تلك الحميمية وبالأخص الثقافية العربية، لقد ترجمت إلى اللغة اليابانية من اللغات الأوروبية بعض المؤلفات العربية التي ذاع صيتها بين المستشرقين الأوروبيين مثل ألف ليلة وليلة. وأشير إلى أنه طيلة علاقتي مع اليابان التي توشك على بلوغ نصف قرن لم أصادف ترجمة مباشرة لديوان من الشعر العربي، ولا أحسب أنه يوجد اليوم في اليابان من يحسن ترجمة رصينة للنصوص مباشرة بين اللغتين العربية اليابانية، وأستثني من ذلك سيدة مصرية يابانية، إن الأغلبية العظمى للمتحدثين باللغة اليابانية هم المواطنون اليابانيون وعددهم في أنحاء العالم 128 مليون نسمة وإلى جانب ذلك يقال إن هناك نحو ثلاثة ملايين شخص في أنحاء العالم يدرسون اليابانية.
أما عن خصائص اللغة اليابانية، فإن الحروف اليابانية كلها سهلة النطق، وإن القواعد والمفردات تختلف جذريا عن اللغات الأوروبية مثل ''الإنجليزية''، وبالنسبة للدارسين فإن المحادثة باليابانية تعتبر سهلة نسبيا. صعوبة اللغة اليابانية تكمن في الكتابة، فاليابانية تختلف عن اللغات الأخرى لأن الكتابة فيها تتم بمزج ثلاثة أنواع من الحروف، فهناك أول حرف الكانجي Kanji، وهي حروف يرمز كل منها إلى معنى، وليس إلى صوت مثل الأبجدية. تشكلت هذه الحروف في الصين ووصلت إلى اليابان حوالي القرنين السادس والسابع ميلادي. ثم هناك حروف الهيراجانا Hiragana، وهي حروف صوتية يدل كل حرف منها على صوت معين. والنوع الثالث مرادف لها وهو حروف الكاتاكانا Katakana، وهي أيضا حروف صوتية وتستخدم بشكل رئيسي في كتابة الكلمات والأسماء الأجنبية، الأسماء الشائعة للحيوانات والنباتات والأدوات والكلمات العلمية والتقنية مثل أسماء الحيوانات والنباتات والمعادن وما شابه ذلك. وقد شكلت حروف الهيراجانا والكتاكانا استنادا إلى الكانجي.
عدد حروف الهيراجانا 46 حرفا، وكذلك حروف الكاتاكانا، أما حروف الكانجي فهي كثيرة، وحتى إذا أحصينا منها حروف الكانجي الضرورية للحياة اليومية فقط نجد أنها تصل إلى ألفي حرف، والأطفال في اليابان يتعلمون 80 حرف كانجي في السنة الأولى ابتدائية، ويحفظون 1006 حروف خلال الست سنوات التي يقضونها في المدرسة الابتدائية.
والصعوبة تكمن في استخدام كل نوع من الحروف من الأنواع الثلاثة في محله الصحيح، فالكانجي يستخدم بشكل رئيسي في الأسماء والأفعال والصفات والمفردات الأخرى التي تشكل الأجزاء الرئيسية في الجملة.
ضمت اللغة اليابانية العديد من المفردات الأجنبية على مر العصور، فقديما دخلت إليها الكثير من المفردات الصينية قادمة مع حروف الكانجي، ثم منذ القرن السادس عشر ميلادي بدأت مفردات جديدة إسبانية وبرتغالية و(عربية) تدخل إلى اللغة اليابانية، وأعقبتها مفردات اللغتين الإنجليزية والفرنسية وغيرهما.
أخذ المركز الإسلامي في اليابان في الاعتبار ما أشير إليه آنفا على أن يكون عمل المترجمين جماعيا مكملا بعضهم بعضا. بدأ عمل المجموعة بالاتفاق على قاعدة وإعداد قاموس نمطي للمفردات كمرشد لغوي بالكلمات والألفاظ التي تستوعب المعاني الإسلامية التي نقصدها، فاللغة اليابانية تعبر عن تقاليد وأساطير ديانة الشينتو اليابانية وتختلف تماما عن لغات الدول التي تدين بالأديان السماوية. ويذكر هنا أن أحد الأوروبيين أتى إلى اليابان آملا في تنصير اليابانيين وقد وصف اللغة اليابانية بأن الشيطان نحتها لحجب كلمات المسيح عنهم.
لكن تبدو المهمة أصعب على المسلمين، فلا يوجد في ديانة الشينتو مفاهيم أنبياء ورسل وحياة بعد الموت وكثير غيرها. فمثلا المفردة اليابانية (كامي سما) التي ترجمتها (إله) لا يمكن للمسلم التعبير بها عن الله الخالق الأحد، فهي تشير إلى شخص مبجل أو إلى موجود أضفيت عليه بعض الروحانيات. وعليه تحاشينا استعمال كلمة (الله) المجردة، وأصبح التعبير عنها معرفا (الله الإله الأحد الفرد الصمد: the only one god Allah) وإلا فهمها المتلقي الياباني على أنها تشير لأحد الآلهة من بين العشرة آلاف حسب أساطير ديانة الشينتو Shinto اليابانية. أضف إلى ذلك أن اللغة اليابانية لا تفرق بين المذكر والمؤنث وكذا المفرد والجمع إلا نادرا.
كان الإسلام في اليابان يُعرف باسم (دين الكاي Kaikyo) وكان يُطلق على المسجد الوحيد في طوكيو حينها (معبد دين الكاي Kaikyo jiin) أو (دين الخوي Fuifuikyo) حسب نطق الصين التي كانت تنسب الإسلام إلى المسلمين في تركستان. وعليه أول ما قمنا به هو تأصيل اسم الجلالة والإسلام في اللغة اليابانية وكذلك المفردات والنصوص الأخرى. أما مفردة نبي (يوغين شا Yogensha) التي تكتب بثلاثة رموز صينية وحرفيا تعني (شخص يتحدث عن نبوءات) أو متنبئ: قمنا باستبدال الرمز الأول (يو Yo) بآخر وبنفس النطق (يو Yo) ليصبح المعنى هكذا: (شخص يتحدث عن رسالة) أي رسول وهذه من مزايا الرموز الصينية في اللغة اليابانية. ويذكر هنا أيضا أن اليابان استسلمت وقبلت باتفاقية بوتسدام في سبتمبر 1945م بعد تلكؤ لضمان عدم قيام قوات الاحتلال بالمساس باللغة اليابانية وتغيير رسمها إلى الحرف اللاتيني، وكذلك الحفاظ على النظام الإمبراطوري رمز وحدة الأمة حتى لو تمت إزاحة الإمبراطور حينها.
أما كتابة المفردات العربية بالأبجدية اليابانية فستؤدي إلى تغيير النطق وذلك لخلوها من بعض الحروف مثل اللام فتنطق راء وأما الهاء بالضمة فتنطق (فو) وكلمة السيرة تنطق (شيرا). وعليه قد يبدو غريبا كتابة (الله أكبر) لتقرأ (أرافو أكبارو) وحسين ليصبح (فوساين). قد يكون مستحسنا أن تكتب (الهاء المضمومة Hu) بالضمة المفخمة (Hu) بحيث يصبح حسين (هوساين بدلا من فوساين)، إلا أن هذا النهج الانتقائي لا يتفق مع القاعدة والمنهجية. وأمثلة الحروف كثيرة فحرف الخاء لا يوجد ما يقابله في اللغة اليابانية وبديله خياران كما في خالد أهو (هارد) أم (كارد). ما القاعدة إذاً لتأصيل الأسماء العربية باللغة اليابانية؟ فمنها المتواتر في التاريخ والسيرة ومنها ما يرد عرضا. كما هنالك بعض الأسماء المتواترة في التاريخ والسيرة ومنها ما يرد عرضا. كما هنالك بعض الأسماء المتواترة عرفت في اليابان عن طريق أوروبا مثلا مِكة بكسر الميم وأبراهام بدلا عن إبراهيم. فهل تترك أم تستبدل بالنطق العربي الصحيح؟
وللمقارنة في حين توجد في اللغة العربية ثلاث حركات (الفتحة والكسرة والضمة) نجد في المقابل خمسة أحرف أساسية متحركة في الأبجدية اليابانية:
1- حرف الـ: a – مثل الفتحة باللغة العربية.
2- حرف الـ: i – مثل الكسرة القوية مع حرف الياء في اللغة العربية.
3- حرف الـ: u – مثل حرف الضمة مثل (وُجود) في اللغة العربية.
4- حرف الـ: e – غير موجود في اللغة العربية، لكنه قريب من الكسرة الخفيفة.
5- حرف الـ: o – غير موجود أيضا في اللغة العربية ولكنه قريب من الضمة المفخمة كما في كلمة: طوكيو.
تظل معضلة كتابة الأسماء والأماكن العربية باللغة اليابانية لتكون أقرب إلى النطق العربي قائمة فقد يلاحظ نطق اليابانيين بلكنة مميزة للغات الأجنبية مع أنهم يحسنون الكتابة الرصينة ولهم حصيلة غزيرة من المفردات ومرد ذلك أن النطق في اللغة اليابانية يأتي من طرف الشفاه.
وأخيرا نشير إلى أن حروف الكانجي في اللغة اليابانية التي يرمز كل منها إلى معنى تدعونا إلى العناية باختيار معان لنصوص القرآن واللغة العربية والتعبير عنها برموز الكانجي المناسبة مثل كلمة (نبي) السابق ذكرها، إن أي ترجمة ولو مختصرة قد تستغرق سنوات وتحتاج إلى جهود عدد من العرب المتحدثين باللغة اليابانية ودارسي الأدب الياباني بالجامعات العربية.
وهنا أرى أهمية دور المعهد العربي الإسلامي في طوكيو التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في وضع قاعدة مرجعية لكتابة الأسماء العربية باللغة اليابانية وكذلك قاموس مرشد لمفردات إسلامية مختارة وهو ما سعى إليه المركز الإسلامي في اليابان. هنالك ضرورة لتشجيع وتنسيق العمل في مجال الترجمة العربية ـــ اليابانية، حيث لا يزال الأمر متروكا للمصادفة أو الانتقاء الشخصي بعيدا عن العمل المؤسسي العربي، أضف إلى ذلك فإن الناشرين في البلاد العربية لا يعطون حقوقا توازي جهد الترجمة، بينما اليابانيون يطلبون مبالغ كبرى (كحقوق للترجمة) للموافقة على ترجمة الكتب إلى العربية.
ولا أرى جهة مؤهلة لهذا الدور غير المعهد العربي في طوكيو، المكرمة السعودية والصرح الشامخ في مجال العلاقات اليابانية - السعودية التي سيعم خيرها العرب والمسلمين جميعا.