التعليم.. وخارطة الطريق

لا شك في أن الدور المنوط والمؤمل من وزارة التربية والتعليم كبير جدا على المستويين الحكومي والشعبي، وبالتالي قد يشكل ضغطا عليها وهو من وجهة نظري محمود لأن مع الضغوط تتحقق نتائج جيدة ونافعة.
ولكي ننجح كوطن ومواطنين لا بد من إيجاد مخرجات تعليمية قادرة على دفع عجلة التنمية نحو العالمية، والعمل على كسب التنافسية المؤمولة، والعنصر البشري هو أهم تلك الركائز التي تدفع بهما. ولذلك فمخرجات التعليم العام هي الأساس واللبنة التي تشكل بداية الطريق ويكمل على نتائجها التعليم المهني والفني والتعليم الجامعي ليتم ضخ ذلك العنصر التنموي في سوق العمل التنافسي.
وفي اعتقادي أن أنظمتنا التعليمة بحاجة كبيرة إلى الإصلاح والتطوير لتكون سهلة وقادرة على النمو الرأسي والأفقي، وهنا أثني على فكرة إنشاء الأمانة العامة لإدارات التعليم، التي أعتقد أنها تهدف إلى تجزئة الوزارة للتوجه نحو المناطقية التي ستسهم في اللامركزية للقرار، وفي سرعة الإجراءات والإنجاز، وكفاءة وتحسين العمل الإداري وتسمح بفرص إبداعية عالية للتطوير والابتكار، وتحول العمل من مركزية القرار إلى العكس، وهذا الهدف يحتاج إلى شفافية في رقابة الأداء، ووضوح في الإجراءات والصلاحيات والمحاسبة، كما يحتاج إلى مهنية عالية في العمل.
إن مثل تلك القرارات تعمل على تقليل الهدر المالي والبشري، وسرعة اتخاذ القرار، وأيضاً تلغي الروتينية القاتلة، ولكيلا تشوه هذه الخطوة المباركة أرجو النظر بعناية إلى هذه الرؤى والأفكار هل كانت حاضرة ساعة اتخاذ قرار إنشاء الأمانة أو أنها من ضمن أهدافها؟ فإن لم تكن هذه الرؤى هي المحفزات والموجهات لتلك الخطوة فإني أرجو مراجعتها لتحمل بعض تلك المقترحات لكي تحقق المؤمول.
عندما تحدثت في المقال السابق عن أهمية المعلم في العملية التعليمية لم يكن كلاما من فراغ بل كان مبنيا على نتائج اختبار القدرات، فكانت كارثة بكل المقاييس، توجب عاجلاً على القائمين على استراتيجيات التعليم الوقوف عندها بكل عزيمة وإصرار للتصحيح وللتغيير، وذلك من خلال حزمة من القرارات المدروسة بعيداً عن المجاملات، وبإشراك وزارتي الخدمة المدنية والمالية.
وكنت قد ذكرت في المقال الماضي أن المعلم مغلوب على أمره، قبل بالتدريس كمهنة لأنها الأسهل والأوفر حظا والأكثر إجازات، ثم تطرقت لعنصر المنهج أيضاً، ولا أريد أن أسهب فيها مرة أخرى فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وبالتالي يبقى أمامي الطالب والإدارة، وأما المبنى فقد كفتني الوزارة عناء الحديث عنه.
إن مما يجب على التعليم هو أن تخريج شباب (طلاب) منضبط سلوكياً وأخلاقياً وعلمياً يتعلم احترام الذات والآخرين والوقت وتقدير الممتلكات، فالطالب يقضي ثلث يومه في المدرسة، يتعلم من المعلم والأقران كل حميد وذميم.
ولكن أين ذلك من حال الواقع!
لك أن تتخيل واقع طلابنا داخل المدرسة في أوقات الاستراحات وأوقات الصلاة وفي الطابور الصباحي وعند الشراء من المقصف المدرسي وعند الخروج من المدرسة، فوضى وتخبط وضوضاء توحي بعدم الانضباطية وعدم احترام وتقدير الآخرين، سلوك سيئ تجاه الآخرين من سائقين وزملاء، سيارات متشابكة وكأنك في يوم النفرة. هنا نسأل: أليس للمدرسة والإدارة دور في تنمية العادات الصحيحة، أليست هذه نقطة مهمة يتوجب فيها تغيير السلوك السيئ واستبداله بغرس القيم الإسلامية في أبنائنا وذلك بوضع رؤية واضحة وجعله هدفا أساسياً من أهداف التربية والتعليم، أليست فرصة ذهبية لتغيير السلوك؟
إن احترام الوقت وإتقان العمل مفقودان نوعاً ما في المدارس، في السنتين الماضيتين حصلنا على إجازات جيدة، نصف العام ومنتصف الفصل واليوم الوطني وإجازة عيد الحج، ولكن قبل الإجازة بثلاثة أيام ومثلها بعدها غياب لمجموعة لا بأس بها من الطلاب، ومن حضر ليس له نصيب من الدراسة بل لعب ولهو، وهذا يدفع بالبقية الباقية لتغيب أبناءها، فنحن لا نقدر من يحترم النظام بل نعاقبه. ومن الأسف أن الأيام الفعلية للتعليم هي الأقصر عالميا، فأصبح تعليمنا إجازات في إجازات. إذا أين الخلل وأين العلاج؟
لا شك أن للبيت دورا بارزا ومكملا ومشاركة مؤمولة ومحمودة ومطلوبة، ولكن السلوك يجب أن يتغير وفق رؤية منهجية تبدأ وتنتهي بالتربية والتعليم، وبالمدرس والإدارة، وبالبيت والطالب. إذاً نحن بحاجة إلى مناهج تعزز الأخلاق الإسلامية وتعلم مبادئها السامية وتؤكد على تقدير الوقت واحترام المهن، نحن بحاجة إلى أن يكون في مناهجنا تربية نبوية تضبط السلوك وتنمي القيم والمبادئ لبناء جيل قادر على البناء والعطاء ويعمل على التقدير والاحترام، لماذا بعدنا عن منهج وسيرة رسولنا عليه الصلاة والسلام في بناء القيم والأخلاق. ألا تعتقدون أن هذه مشاكل إدارية ورؤى منهجية لمستقبل بارز.
إني أخشى ما أخشاه وآمل ألا أكون محقا مع احترامي وتقدير لكل من يعمل وعمل في التربية والتعليم لم أر منهجا ثابتا ورؤية استراتيجية تعمل وفق أهداف محددة ورؤى ثاقبة تنقل التعليم والمتعلمين من حال إلى أفضل، حيث هي مطلب ملح وأسلوب قيادي مطلوب ومنهج إداري مأمول، ورؤية ملك ثاقبة.
إن المبادرات المتبعثرة سوف ترهقنا بشريا وسوف تستنزفنا ماليا دون أن نصل إلى الهدف المنشود، ما لم يكن لنا خارطة طريق نبني عليها استراتيجية التعليم وتصب من خلالها مبادرات لإصلاحه وفق رؤية القيادة ـــ أعزها الله ووفقهاـــ، ودمتم سالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي