الانتخابات التايلاندية المقبلة .. جيش لا يشعر بالأمان؟

في أواخر آذار (مارس)، أطلق مقال في صحيفة نافذة ناطقة باللغة التايلاندية حملة ذكية لتأجيل الانتخابات المرتقبة بذريعة أنه لدى تايلاند الكثير جدا من ''الساسة السيئين'' وأن الانتخابات ليست هي الحل للأزمة التايلاندية. تجدر الإشارة إلى أن مدة الحكومة ستنتهي في كانون الأول (ديسمبر)، وقد وعد رئيس الوزراء أبهيسيت فيجاجيفا بإجراء انتخابات في النصف الأول من عام 2011.
لم تثر الحملة قدرا كبيرا من الجدل فحسب حول ما إذا كانت الانتخابات ستمضي قدما بالفعل، بل وفيما إذا كانت الصحيفة النافذة تعمل لحساب مؤسسات معينة في تايلاند بهدف عرقلة عودة الديمقراطية. إن بعض التايلانديين مقتنعون بأن الجيش هو الذي يقف خلف الحملة؛ لأنه يخشى من أن يفوز حزب بوي ثاي المدعوم من رئيس الوزراء السابق ثاكسين شيناواترا في الانتخابات بسهولة. فقد أفشل فوز الحزب المذكور جهود الجيش للإطاحة بثاكسين في انقلاب قام به في عام 2006.
إن تاريخ اشتغال الجيش بالعمل السياسي يقدم دليلا مفيدا لفهم الأسباب التي تدفعه للتدخل في الانتخابات المقبلة. فمنذ عام 2006، كان حضور الجيش المتزايد في المشهد السياسي كما يدلل على ذلك الانقلاب وتعيين حكومة أبهيسيت الحالية التي تحتفظ بعلاقات ودية مع الجيش في عام 2008 - مدفوعا بتطورات عدة يتعلق معظمها بسمعة حكومة ثاكسين السابقة للحكومة الحالية.
واليوم، استعاد الجيش مركزه البارز في السلطة في الشأن المحلي والشأن الخارجي على حد سواء. فالضجة الأخيرة التي أحدثها الجيش حول جهود الوساطة التي قامت بها إندونيسيا في النزاع التايلاندي الكمبودي يؤكد حقيقة أن هذه المؤسسة استعادت سيطرتها على سياسة البلد الخارجية تجاه البلدان المجاورة.
وبينما قد يكون صعود الجيش جاء متزامنا مع ضعف الأنظمة المدنية المتعاقبة إلى الماضي، هناك مزيد من العوامل الأخرى التي تقف خلف تسييس الجيش.
كان العامل الأول استراتيجية ثاكسين التي تمثلت في تفتيت الوحدة المؤسسية للجيش. فعندما كان في السلطة، أوجد صدعا داخل القوات المسلحة، حيث قام بترقية النخبة القديمة التي كانت خارج شبكة السلطة بقيادة بريم تينسولانوندا، رئيس الوزراء الأسبق والذي يعمل حاليا رئيسا لمجلس الشورى، بينما قام بإبعاد من كانوا داخلها.
واستنادا إلى التفويض الشعبي القوي الذي حصل عليه، باشر ثاكسين ''باستعمار'' الجيش عبر تعيين أقاربه وأصدقائه والموالين له في المناصب الرئيسة في الجيش. لقد عمل هذا التحزب على تقسيم الجيش بين من يعتبرون أنفسهم ''محترفين'' حقا، وبالتالي امتنعوا عن التعاون مع الحكومة وبين من ُيزعَم أنهم ليسوا محترفين.
لكن ثاكسين لم يكن أول زعيم يلوث مهنية الجيش. فقد دفع بريم نفسه منذ عهد طويل عسكرة السياسة. لقد تلاعب بريم بالشبكات التي كانت منغمسة بعمق في السياسة واستغل ضعف الحكومات المدنية لدعم مصالحه المتعلقة بالسلطة ومصالح الجماعات التي كان يمثلها.
وبطرق عديدة، سار ثاكسين على خطى بريم عبر محاولة السيطرة بشكل كامل على الشؤون الداخلية للجيش. وقد أدت قبضة ثاكسين الشديدة على السياسة الدفاعية وعلى الميزانية إلى تقليص دور الجيش في شؤون الأمن الوطني. ومقابل هذه الخلفية، كان هناك إحساس قوي بفقدان الدور التقليدي للجيش وفقدان الخبرة داخل سلك الضباط، مما أدى إلى تصميم الجيش على استعادة دوره عبر التدخل في العمل السياسي.
والأهم من ذلك، أن تحرك ثاكسين لتحدي التحالف القائم بين الملكية والجيش أدى إلى حدوث رد فعل مضاد من قبل هاتين المؤسستين الرئيستين، بلغ ذروته في الانقلاب. في السابق، كان الضمان لقوة شبكة بريم هو تعظيم الملكية التي كانت تصور بأنها أيقونة الشعب التايلاندي التي لا يجوز المساس بها. لذلك، فإن سيطرة ثاكسين على السلطة السياسية لم تشكل تهديدا للجيش فقط، بل ولمكانة الملكية أيضا.
كثيرا ما كان الجيش يدعو أولئك الذين يشكلون خطرا على وضع الملكية: ''الأشخاص ذوي النوايا السيئة''، وقد تم تصنيف ثاكسين الآن بقوة في هذه الخانة. لكن وراء ارتداء قناع الدفاع عن الملك الذي يحظى بالشعبية، كانت هناك أسباب أعمق تدعو للقلق داخل الجيش. فقد كان العسكر يشكون في أن ثاكسين كان يحاول استبدال شبكة السلطة القديمة ورمزها الأيقوني بأفكار عصرية - ونعني بهذه الأفكار الديمقراطية والشعبية. وكانوا يخشون أيضا من أن يؤدي تقلص سلطة الملكية إلى تقلص سلطتهم. لقد أنهى الانقلاب هجوم ثاكسين الناجح على النخب العسكرية، وأدى إلى استعادة ميزان القوى الذي كان قائما قبل عام 2001 بين القوى الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية المرتبطة بالملك.
من هنا، يتضح بالنظر إلى التاريخ أن الحملة الحالية الداعية إلى تأجيل الانتخابات هي في جزء منها حماية الجيش لمصالحه السياسية في وجه المعارضة التي تشكل تهديدا له. ويرى الجيش أن منع إجراء انتخابات أقل ضررا من القيام بانقلاب إذا جاءت نتيجة الانتخابات غير مقبولة لدى أعضاء النخبة. إنه بالتأكيد أقل ضررا إذا تم تنفيذ الحملة بالوكالة عن الجيش وليس بواسطته مباشرة.
وبما أن الأولوية تتمثل في دعم محور الملكية - الجيش بالمشهد السابق الذي كان على رأس الهيكل السياسي، فقد استمال الجيش زمرة من الزعماء السياسيين المؤيدين للملكية والذين عهد إليهم بحماية ذلك المحور ورعايته. لكن تبين أن هذه مهمة صعبة. فأولئك الزعماء ليست لديهم شعبية في أوساط الفقراء التايلانديين الموجودين في القرى الريفية. وخلافا لثاكسين، فإن أبهيسيت الذي يعتبر واحدا من الزعماء المؤيدين للملكية، يفتقر إلى الكاريزما والجاذبية، وأهم من ذلك أنه يفتقر إلى الاستعداد لتغيير الوضع القديم الراهن. ومن غير المرجح في انتخابات حرة ونزيهة أن يفوز الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه بأغلبية الأصوات.
وزيادة على ذلك، كان أبهيسيت يصور في السابق على أنه وديع ومطيع دائما، لكنه أظهر في بعض الأحيان انه حاسم، الأمر الذي قد يشكل تحديا لتعليمات الجيش. إن العلاقات بين الجيش وأبهيسيت لم تكن سلسلة على الدوام. فقد قال جنرال تايلاندي ذات مرة: ''إن أبهيسيت والحزب الديمقراطي هما الأفضل بين الأسوأ، وأكثر الموثوقين من بين غير الموثوقين''.
إن الأمل الذي يعلقه الجيش في الاعتماد على التحالف الشعبي لذوي القمصان الصفر من أجل الديمقراطية بدأ يتلاشى أيضا. فقد يعمل الطرفان عن كثب لإثارة صدامات مسلحة مع كمبوديا حول موضوع معبد برياه فيهير، الذي حالفه بعض النجاح، لكنه لم يكن كافيا لخلق حالة من فلتان الحكم لكي يتخذ ذريعة لتأجيل الانتخابات. وقد تراجعت شعبية هذا الحزب بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة. وفقدت أجندته الوطنية تأثيرها وجاذبيتها.
من هذا المنظور، يبدو أن الحلم السياسي للجيش أخذ يتلاشى. إذ إن الاعتماد على وكلائه السياسيين في الداخل والخارج لن يجلب له إلا خيبة الأمل. كما أن أغلبية الناخبين مستمرة في رفض هؤلاء الوكلاء أيضا. وقد يدفع الوضع البائس الجيش التايلاندي للتفكير في اللجوء إلى إجراءات متطرفة لتأمين مركزه السياسي. ويمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة العنف السياسي سواء أجريت الانتخابات أو لم تجر في الأشهر القليلة المقبلة.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OpinionAsia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي