لا تدعموا شركة مهملة في حوكمتها

قبل عدة أيام شرحت في مقال بعنوان "ماذا يعني تحويل الديون إلى أسهم؟"، كيف يتم استخدام سعر السهم الاسمي في العملية (السعر الاسمي هو 10 ريالات، مثلا وقد يكون أقل)، بينما سعر السوق أكبر منه، والسبب هو منح الدائن علاوة إصدار دون مقابل كربح ضمني في الصفقة، وكمثال يمكن أن يكون الدين ألفاً مثلا ولو تم تحويله لأسهم بسعر اسمي 10 ريالات فإن الدائن سيحصل على 100 سهم، لكن سعر السوق يبلغ 20 ريالا للسهم، وبذلك يحصل على مبلغ إضافي في كل سهم قدره 10 ريالات (وكما قلت فإن لهذا الطريقة محاذير كثيرة شرعية وقانونية ومن جانب الحوكمة)، لم أكن أعلم حقيقة وقتها بما يحدث في شركة الكابلات التي أعلنت قبل مدة في موقع "تداول" أنها ألغت اتفاقية على أن يتم تحويل الدين إلى أسهم بالقيمة الاسمية للسهم (10 ريالات)، لأنه لا يوجد تفويض أو قرار من مجلس الإدارة السابق لمن قام بالتوقيع على الاتفاقية مع المستثمر نيابة عن الشركة يمنحه الصلاحية على التوقيع على بند الرسملة بـ10 ريالات ولا يمنحه إضافة بنود أخرى تضمنتها الاتفاقية (وهذه مشكلة قانونية)، وتُعد هذه البنود الإضافية ضد مصالح مساهمي الشركة (وهذه مشكلة حوكمة)، وقد ورد إعلان عن الشركة قبل هذا الإعلان بيوم واحد جاء فيه استقالة عضوين من لجنة المراجعة بناء على طلب رئيس لجنة المراجعة منهما نظرا لأنهما لم يقوما بالإفصاح عن توقيع اتفاقية رسملة ديون قائمة مع الشركة (وهذه مشكلة حوكمة أيضا).

والحالة كانت كالتالي، أحد الدائنين للشركة لديه دين قيمته الأصلية 12,450,320 ريالا، اتفق مع عضوي اللجنة على أن يتم نقل هذا الدين باسمهما ويحصل فورا على نقد منهما قيمته 6,655,522 ريالا، وهذا مشهور في عالم التمويل، حيث يتم بيع محفظة الدين مقابل خصم، وحتى الآن لا غضاضة في القرار، مع أن هذا الخصم كان كبيرا على كل حال، بهذا أصبحت الشركة مدينة للعضوين بقيمة الدين الأصلي، وهنا أصبح لأعضاء اللجنة مصالح مع الشركة كان يجب الإفصاح عنها (وهذه مشكلة حوكمة)، ولأن الشركة كانت في رحلة تنظيم مالي، فقد تم عرض فكرة رسملة الدين (تحويل الدين إلى أسهم) بمنح الأعضاء أسهم في الشركة مقابل الدين وذلك بالقيمة الاسمية، (عشرة ريالات) وقد قام الرئيس التنفيذي بتوقيع الاتفاقية معهما دون وجود صلاحية أو تفويض لديه بتحديد سعر السهم (وهذه مشكلة حوكمة وقانونية)، كما وضح الإعلان.

وقد تمت استقالة العضوين لأنهما أخلا بقواعد تعارض المصالح ولم يقوما بالإفصاح عن هذه الاتفاقية لمجلس الإدارة والجمعية العامة للشركة كما تم إلغاء الاتفاقية الموقعة معهما (عاد الدين وألغيت الأسهم).

عادت الشركة بعد يومين بإعلان جديد عن الرفع بتوصية للجمعية العامة للتصويت على عزل عضوين من مجلس إدارة الشركة لأنهما اعترضا على قرارات اتخذها المجلس حماية لمصالح الشركة ومساهميها، واكتفى الإعلان بهذا، مع وعد بالإفصاح للجمعية العامة عن الأسباب (كان يجب الإفصاح فورا عن التفاصيل، فهناك عديد من أصحاب المصلحة بخلاف المساهمين). لا نعرف ما إذا كان هنا علاقة بين الأمرين.

لن أعلق على قرار مجلس الإدارة لعدم توافر معلومات كافية، لكن أكاد أجزم بأن ما حدث في شركة الكابلات ليس محصورا فيها، فقد أشرت إلى توسع استخدام طريقة تحويل الدين إلى أسهم، وطالبت بمراقبة هذا الأسلوب، وفحص التطورات التي تتم فيه، وإذا كانت التغيرات التي طرأت على شركة الكابلات هي التي اكتشفت ما حدث، فإن هذا قد حدث بالصدفة البحتة وليس بفضل التطبيق الجيد لقواعد الحوكمة، بل لقد كانت قواعد الحوكمة هي الطريقة التي سهلت هذا الاتفاق، ولا تعميم هنا، لكن المسألة تتطلب من هيئة السوق المالية إيصال رسالة شديدة إلى المستثمرين حتى لا يدعموا شركة مهملة في حوكمتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي