مقترح بإنشاء مدينة متكاملة للسياحة المحلية أسوة بالمدن الاقتصادية

أصبحت السياحة واقعا حضاريا ونشاطا اقتصاديا مهما جدا يعتمد على أساس علمي وخطط واستراتيجيات مستقبلية مستمرة، لما لهذا القطاع من مردود اقتصادي واجتماعي مهم لكثير من الدول لأجل ذلك سعت معظم الدول المتقدمة إلى الاهتمام بهذا القطاع وتطويره.
ولقد أشارت الجمعية الدولية لخبراء السياحة العالميين خلال مؤتمر لها عقد أخيرا إلى أن السياحة حتمية اقتصادية لتقدم الدول النامية وأنها صناعة دون مداخن تعمل على تقدم الدول ونموها، وهي إحدى دعائم الاقتصادات. كما اعتبرها الاقتصاديون صناعة رئيسة تتكون من صناعات ثانوية وهي ترتبط ارتباطا مباشرا أيضا بالزراعة والصناعة والتجارة, وتعد أيضا موردا للعملات الأجنبية والتحويلات، وكذلك عاملا لجذب الاستثمار، ولها دور بارز في خلق فرص عمل دائمة وموسمية، وتسهم في نقل التراث والثقافة ولها دور مهم جدا في صناعة الرأي العام المؤيد لقضايا البلد.
ولقد كان الناتج المحلي للسياحة من السلع والخدمات عام 1994 نحو 3.4 في المائة، وأتاحت 204 ملايين فرصة عمل تقاضى أصحابها أجور ناهزت 1.7 تريليون دولار أي ما يعادل 10.3 في المائة من إجمالي الأجور في العالم. وتتوقع منظمة السياحة العالمية أن يصل عدد السياح في العالم في نهاية عام 2020 نحو 1561 مليون سائح، كما تتوقع بأن تكون عائدات السياحة نحو 2340 مليار دولار في عام 2020.
لأجل ذلك عملت جميع الدول بكل طاقاتها لاستقطاب أكبر عدد من السياح فعلى سبيل المثال نجد بريطانيا تعمل وتسوق لكي ترفع العائد من السياحة إلى 188 مليار جنيه استرليني بحلول عام 2020. وأشار تقرير أعدته مؤسستي ''ديلويت'' و''أكسفورد إيكونوميكس'' إلى أن سعر الصرف الملائم للجنيه الاسترليني ودورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 وكذلك دورة الألعاب الأولمبية للاحتياجات الخاصة ستشكل أهم عوامل جذب المزيد من الزوار لبريطانيا، ومن شأنها أن تؤمن معدلا في النمو السنوي في القطاع السياحي يصل إلى 3.5 في المائة ابتداء من العام الحالي وحتى عام 2020. كما أنه من المتوقع أن يزداد عدد الوظائف التي يؤمنها القطاع ليصل إلى 2.89 مليون فرصة عمل.
وبتسليط الضوء على قطاع السياحة في المملكة نجد أنه وبرغم ما بذل من جهد جبار وعمل مميز من قبل الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، فلقد أسس ووضع حجر الأساس وبدأ العمل في قطاع لا يوجد له أي بنية تحتية وأنجز الكثير، ولكن لا يزال ينقصنا الكثير من العمل الذي لن يتم إلا بتضافر الجهود وتعاون الجميع. ومن أبرز هذه النواقص ما يلي:
1 – تكملة البنية التحتية المتطورة ومستوى الخدمات العالية التي تقدم للزوار والتي بفضلها استطاعت الإمارات وحدها وبالذات (دبي) أن تجذب 60 في المائة من السياح الخليجيين رغم حرارة الجو وازدحام المكان.
2 – تسهيل حركة النقل وخطوط الطيران الداخلية والدولية.
3 - تعاون وتفاهم جميع القطاعات الحكومية والأهلية معا وتسهيل إجراءات المعاملات والخدمات.
4 - التوعية الشعبية ورفع مستوى الثقافة السياحية بحسن التعامل مع السائح واستقباله بترحاب وعدم استغلاله.
5- إكمال متطلبات واحتياجات السائح ومقومات السياحة في جميع المناطق السياحية من وسائل نقل جيده ومأوى ومطاعم وترفيه وما إلى ذلك.
6 - جذب وتشجيع ودعم الاستثمار السياحي.
7 - تنظيم العمل في جميع قطاعات السياحية.
8 - تنظيم عروض ترويجية وتسويقية سياحية للزائر من داخل المملكة وخارجها.
9 - تشجيع السياحة البينية فكما تشير منظمة السياحة العالمية أن السياحة البينية داخل الإقليم الواحد تشكل 82 في المائة على مستوى العالم وفي داخل أوروبا وحدها تشكل النسبة 88 في المائة يعود ذلك إلى سهولة إجراءات الدخول وتوافر وسائل النقل وجميع متطلبات واحتياجات السائح.
وحسب التقارير الرسمية فإن قطاع السياحة في المملكة يخسر سنويا ما بين أربعة إلى 4.5 مليون سائح ينفقون أكثر من 37 مليار ريال خارج البلاد, ومن مبدأ أهمية ما ذكرته من مقدمة طويلة بعض الشيء أعلاه ولكن للتوضيح فقط استرسلت بالموضوع لتقديم أمرين:
الأول: التذكير بأهمية الإسراع بالعمل على تطوير قطاع السياحة لدينا والعمل مع جميع الجهات والهيئات وجميع أفراد المجتمع للاستفادة مما حبانا الله ـــ عز وجل ـــ في هذا البلد من نعمة وفضل بتوافر جميع المقومات التي تمكن بلدنا من أن يصبح من البلدان المصنفة على أنها سياحية لديها ما يحتاجه السائح. ومن ذلك: الأموال الاستثمارية التي يمكن توفيرها بفضل الله، المشاعر المقدسة مقصد لجميع المسلمين في أنحاء العالم، الأماكن والمعالم التاريخية المتوافرة، وكذلك التراث الشعبي المتنوع والمختلف باختلاف مناطق المملكة من صناعات وحرف يدوية ورقصات وأكلات مميزة لها طابعها وخصوصيتها، وتنوع المناخات والتضاريس بوجود السواحل الجميلة والجبال الشاهقة بأجوائها الباردة وبالصحاري ورمالها وبالمدن الحضارية بناطحات السحاب والأسواق التجاري العالمية المتنوعة.
ثانيا: أتقدم بمقترح مشروع سياحي كبير لمستقبل بلادنا ولمواكبة ما تقوم به دول من عمل في صناعة السياحة،. يتمثل في إنشاء مدينة متكاملة للسياحية أسوة بالمدن الاقتصادية التي أنشأتها الدولة وتطمح من خلالها إلى تنشيط الاقتصاد من خلال هذه المدن وجذب الاستثمار للبلاد، وذلك للاستفادة من جمال جو وطبيعة المنطقة الجبلية الجنوبية في ظل عدم وجود منافس قريب للسائح من الداخل أو من دول الجوار، على أن يراعى في تخطيطها توفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية لزوارها ومرتاديها بحيث تضم إلى جانب المناطق السكنية المختلفة من فيلات وعمائر وشاليهات المساحات الخضراء الواسعة، ملاعب، وفنادق راقية، إضافة إلى الخدمات اليومية التي تؤمن احتياجات الزوار.
وتقع المدينة على مساحة تقريبية تقدر بثمانية ملايين متر مربع لتخدم متوسط 40 ألف شخص، وتحتوي على منطقتين الأولى سكنية تضم مجموعة من الفلل والشقق والشاليهات روعي فيها الإطلالة على المناطق الخارجية للاستفادة من الهواء الطبيعي للمنطقة، على أن يكون الطابع العام للمدينة هو طابع سياحي متكامل يمتاز بالفخامة والبساطة ومرتبط بالتراث المعماري في تمازج وتناغم مع باقي عناصر المدينة. وعلى هذا الأساس فإننا سعينا ألا تتخطى مساحة المباني ما نسبته 25 في المائة من إجمالي المشروع ليتمتع الزوار بالتصميم الحضاري للمدينة، مع روعة الطقس والمناخ الذي تتميز به المدينة، حيث يقترح إنشاؤها في إحدى مناطق الجنوب الغربي للمملكة (الطائف أو الباحة أو عسير) للاستفادة مما تتميز به هذه المناطق من طبيعة وأجواء باردة وخلابة يتمنى الكثير الاستمتاع بها.
أما المنطقة الثانية فهي التجارية، تحتوي على خمسة فنادق ومول تجاري كبير يحتوي على أشهر الماركات وعلى هايبر ماركت ومنطقة مطاعم ومقاه يتوسطها شارع للمشاة كشارع الشانزليزيه في فرنسا، كما تضم مدينة ألعاب عالمية، قاعة للمحاضرات والمؤتمرات, منطقة معارض, ومستشفى كبير للعلاج الطبيعي والنقاهة، مسرح للعروض والمسرحيات والرقصات الشعبية، ومبنى إداري يحتوي مستشفى صغير يخدم المدينة وقسم شرطة وإدارة المدينة. وتحتوي المدينة أيضا على قرية للألعاب الأولمبية الصيفية أسوة بالشتوية التي تقام بعض الدول والتي يصل إيرادها إلى قرابة العشرة مليارات دولار وذلك لتنشيط المنطقة سياحيا ولجلب عائد اقتصادي للمملكة، حيث تضم ملاعب كرة قدم دولية، وصالات لجميع الألعاب المختلفة الجماعية والفردية، وفندق لسكن وإقامة الوفود، إلى جانب مضمار للجري والتنس الأرضي. كما يشمل المشروع قرية شعبية خارج المدين بجوار البوابة الرئيسة متاحة لأصحاب المنطقة لعرض منتجاتهم الزراعية وحرفهم ومصنوعاتهم الشعبية والتراثية.
وفي الختام، أتمنى بهذا أن أكون قد وفقت في تقديم مشروع ومقترح يليق ببلدي وسمعته الطيبة. حفظ الله بلادنا وقادتنا من كل شر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي