سورية .. هل تقع الكارثة؟!
هل نصبح اليوم على أنباء وقوع كارثة في درعا بعد تطويقها بالدبابات وإغلاق الحدود مع الأردن .. هل تكون درعا (حماه) الثانية؟
لقد ظللنا في الأيام الماضية نرجو ألا نصل إلى هذه المرحلة، ونتمنى أن تنفرج الأوضاع، ولكن يبدو أن الطبيعة الدموية الصارمة للنظام في سورية ــ كما هو الحال في إيران والعراق الآن ــ ستقود إلى كارثة، والآن القذافي يفتح نار الجحيم على شعبه ولا يهمه من يقتل، فقد ساق الكتائب إلى التدمير الشامل .. وهذا ما نرجو ألا يحدث في سورية، فالأنظمة التي تغذت على الدم سوف تظل تتعطش للدم، فالقذافي ما زال يقتل ويقول: لدينا المزيد!
في سورية كانت الفرصة كبيرة لإحداث نقلة في العمل السياسي، وهذا انطباع من يرى أن السنوات الماضية حققت نقلة إيجابية في مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وحكومة بشار الأسد تبنّت رؤية جديدة لتحديث الدولة كانت هي مبعث الأمل والتفاؤل، وإذا قارنا الوضع بين سورية وليبيا، فالمقارنة النهائية ستكون لصالح سورية، فرغم النظام الشمولي وسيطرة الحزب والطائفة، فقد كانت سورية في سنواتها الأخيرة مفتوحة ولديها قطاع سياحي يستقبل الناس من كل أنحاء الأرض، وساهم الشعب السوري عبر تراثه الإسلامي والحضاري العريق في إبراز الحضارة العربية والإسلامية، كما أن ساحة الحراك الاقتصادي وسعت بإصدار عدد من الأنظمة المحفزة والداعمة التي جذبت عددا من المستثمرين.
هذا رصيد إيجابي لسورية لا يمكن إنكاره أو تجاهله، وقد كان الإنجاز المحفز لتقديم إصلاحات أخرى في الجانب السياسي عبر إتاحة الفرصة للمشاركة السياسية ورفع القبضة البوليسية للدولة التي كانت تمثلها الأنظمة الشمولية كنظام الطوارئ الذي ألغي أخيرا، ولكن بشكل شكلي!
سورية عمق استراتيجي للعالم العربي، والشعب السوري فرضت عليه ظروف الجغرافيا السياسية وظروف الصراع على المنطقة أوضاعا صعبة، والحسابات والمصالح الدولية في مراحل معينة من التاريخ عندما تلتقي مع مصالح الداخل السوري/ الشامي، فإن هذا يعقّد الحسابات وينتج الخلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والمصالح الدولية الكبرى كانت لها منفعة من بقاء الشعب في قبضة الدولة، لذا في العقود الأربعة الماضية ظلت الغلبة والمنعة للدولة حتى ضاق الخناق على أغلبية الناس، ما جعل قوة الدولة لا تساعد على الاستمرار في رفع السقف للمطالب الشعبية بسبب تصارع القوى حول الرئيس بشار حتى غلبته وحولته إلى متحدث باسم النظام .. فلم يعد قادرا على الإصلاح رغم استعداده النفسي والفكري لذلك.
القوة القاهرة الآن تغلب الرئيس وتغلب إرادة الشعب، وهذه مفارقة عجيبة، فالرئيس في قبضة أخيه وقيادات الأجهزة الأمنية، وهي التي تدير الأوضاع هناك، فلم تعد في الساحة إلا لغة القوة والغطرسة والتهديد بالقفزة الكبرى .. أي (سحق درعا) كما سحقت حماه، وإذا وقعت الواقعة مرة أخرى، فبدون شك سنكون أمام مفصل تاريخي جديد للصراع في المنطقة، وفي سورية لا نستبعد أن تتجه الأمور إلى هذا المنحى، فعبر التاريخ نجد أن الأنظمة التي تتحول إلى المقامرة قد تأتي بالعجائب، فالاغترار هو رأس الجهل .. إنها حسابات المغامر عند حافة الهاوية!