في المشاركة الملتوية والبناءة في الانتخابات البلدية ودور الإعلام الجديد والتقليدي
يبدأ هذه الأيام تسجيل الناخبين لاختيار المرشحين للمجالس البلدية، وقد تكون هذه الانتخابات من أهم التجارب الانتخابية في المملكة عطفاً على التوقيت، وتأجيلها لسنتين إضافيتين لإعطاء المجالس الحالية فرصة أكبر وتقييم التجربة بشكل أفضل، والمنجزات للمجالس الحالية التي خيبت آمال الكثيرين. تبدأ إذاً هذه الانتخابات وفي طياتها الكثير من المتاعب التي بدأت منذ الإعلان باستثناء المرأة من حق الانتخاب، مع ضعف الحملة التوعوية والإعلامية التي جاءت متأخرة كثيراً، يضاف إلى ذلك أن تسجيل الناخبين يسبق إعلان المرشحين لأنفسهم مما سيساهم في ضعف الإقبال، حيث إن الإعلان عن المرشحين قبل البدء في تسجيل الناخبين سيشجع الكثير على الاتجاه إلى مراكز الانتخاب لدعم مرشح بعينة لأسباب عديدة.
وكانت الانتخابات الأولى قد نجحت في تكوين مجالس بلدية لم تحقق المأمول منها بسبب عدم وضوح مهامها والمسؤوليات المناطة بها، إضافة إلى دمجها لخليط من الأعضاء المنتخبين والمعينيين وبرئاسة مسؤول حكومي هو في الغالب رئيس البلدية، ما يجعل المجلس البلدي خاضعاً لتوجهات البلدية، وليس العكس، وهو ما ساهم في أداء دورها على الوجه المطلوب. وفي اعتقادي أن السنوات الست الماضية لم تشهد أي تحسن ملحوظ على أداء المجالس البلدية، سواء بالتغيير في الإجراءات والصلاحيات أو حتى الأعضاء الذين مكثوا في مقاعدهم لست سنوات لم يقدموا فيها شيء يشفع لهم بالبقاء. ورغم أن بعض أعضاء المجالس البلدية قد قدموا استقالاتهم لعدم جدوى هذه المجالس، فإن ضغوطاً مورست على البعض للاستمرار من أجل إنجاح هذه التجربة الانتخابية الوليدة. وكان من المؤمل أن تعمل وزارة الشؤون البلدية والقروية على إصلاح هذه المجالس داخلياً لتحسين أدوارها الرقابية والتخطيطية وإضافة دور تشريعي أو (تنفيذي) حتى يمكن القول إن هذه المجالس تشهد تحسنا تنظيميا يمكن ذكره. ناهيك عن أن المجالس البلدية لم تشهد حتى إعادة صياغة لأهدافها ومهامها أو إعطاء صلاحيات تنفيذية لإحداث حراك للمياه الراكدة لست سنوات.
كل ما سبق كفيل بألا تجد هذه المجالس الإقبال المأمول من الناس للمشاركة كناخبين أو حتى مرشحين. ويضاف إلى ذلك أن الانتخابات الحالية لم تشهد حملات إعلانية وتوعوية كافية قبل الوصول إلى مرحلة تسجيل الناخبين التي تدور رحاها اليوم. كما أن استثناء العنصر النسائي من حق الانتخاب قد أوقد الشرارة الأولى في تحويل الحملات الانتخابية للمجالس البلدية إلى مسرح وميدان للرؤى والطروحات المختلفة بين أطياف المجتمع ذكوراً وإناثاً. فالبعض استغل الإعلام الجديد في شبكات التواصل الاجتماعي للحث على تسجيل الاسم كناخب بما فيهم المرأة، وعدم المشاركة في الحملة الانتخابية. وفي اعتقادي أن اتخاذ آراء كهذا أو الدعوة إليه ينم عن عدم الوعي بأهداف ومقاصد العمليات الانتخابية، التي تحث على المشاركة في صنع القرار، وليس المشاركة في هدمه. ولذلك أستغرب أن الكثير في الإعلام الجديد – ممن يعتقدون بأنهم حاملوا اللواء التنويري بحقوق الناس- يلجأون إلى هذه الطرق الملتوية في إجراء يعتبر في نظري بداية لفساد دورهم التنويري الذي يجب أن يحث على الإصلاح ومحاربة الالتواء على الأنظمة والتشريعات. فالإصلاح يعني الدعوة إلى تغيير الأنظمة والتشريعات التي يعتقد أنها عائق أمامه، وليست المشاركة في تلويث عملية الإصلاح بالتسجيل كناخب ثم الامتناع عن المشاركة كوسيلة للاحتجاج على عدم السماح بمشاركة المرأة في الانتخابات. وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بدعوة المرأة للذهاب إلى التسجيل كناخبة كوسيلة لإثبات مدى رغبة وإقبال المرأة على المشاركة، وبالتالي الضغط للسماح لها بالمشاركة.
إن هذه الطرق تشير إلى أن فهم وإدراك البعض للعملية الانتخابية الشعبية التي تجري للمرة الثانية في تاريخ المملكة المعاصر قاصر، ويسعى إلى إفشال مهام التجارب الانتخابية اللاحقة التي قد تحدث مستقبلاً في مؤسسات المجتمع المدني. إن نجاح هذه التجربة وتشجيعها – حتى وهي تحمل بعض الضعف التي ذكرناها في سياق هذه المقالة- هو بداية لفهم طبيعة وسلوك ووعي وإدراك المجتمع لأهمية المشاركة في صناعة القرار. لذا يجب المشاركة في هذه الانتخابات بقوة وإثبات رغبتك في المشاركة البناءة، وليس الملتوية التي دعا إليها البعض، فالتجارب لا تبدأ كاملة.