المهرجان الوطني للتراث والثقافة.. ملتقى يعزز وحدة الوطن

لا يزال يرسخ في ذهني فيلم تعريفي بإحدى الدول، شاهدته على مدى ساعتين، وكان الفيلم من حيث الإخراج والمؤثرات يُشعر المشاهد وكأنه يحلق بطائرة يجوب بها سماء تلك الدولة، فيطلع على معالمها ويتنقل بين سهولها وجبالها ووديانها وأنهارها، ثم يعرج على مدنها في رحلة جوية تستطلع أبرز معالم تلك المدن، بحيث يكون من خلال تلك الرحلة الشيقة وكأنه طاف في أرجاء ذلك البلد، واطلع على معالمه المختلفة.
ذلك الفيلم تذكرته وأنا أتابع ما ينشر ويبث عبر وسائل الإعلام المختلفة عن المهرجان الوطني للتراث والثقافة، فالمهرجان استطاع أن يجمع كل التنوع الحضاري والثقافي الكبير في وطننا الذي يمتد على مساحة تتجاوز مليوني كيلومتر مربع، ليعرضه في مكان واحد على أرض الجنادرية، وبشكل حي وملموس، هذا المهرجان بما يقدمه من جرعات ثقافية متنوعة، وبما يتيحه من تعريف بأجزاء بلادنا، يمثل فرصة للاطلاع على أجزاء من الوطن قد لا يتاح لنا زيارتها، وإذا زرناها قد لا نستطيع الاطلاع على كافة معالمها وثقافاتها.
فكرة المهرجان التي انبثقت قبل ربع قرن برعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ وتنظيم من جهاز الحرس الوطني، جاءت بهدف التعريف بتراث الوطن، وبيان ما تتضمنه هذه البلاد من تنوع حضاري وثقافي كبير.
ومع مرور السنين تمت إضافة نشاطات عديدة إلى المهرجان، بما فيها النشاطات الثقافية من ندوات ومعارض للكتاب، ثم استضافة دولة، لتعرض تراثها وثقافتها ضمن أيام المهرجان.
من معالم المهرجان المتميزة، الندوات الثقافية التي تُعقد كل عام، وهي ندوات تتميز بالجدية في اختيار الموضوعات، وكذلك في اختيار المشاركين، هذه الندوات وإن كانت مرتبطة بالمهرجان، إلا أنها تتطرق لقضايا تهم العالم العربي والإسلامي ككل، وتمثل معلماً مهماً من معالم المهرجان.
وفي هذا العام تم اختيار موضوع شديد الأهمية، يتناول العلاقة بين الإسلام والغرب، وما يجري من حملات للتخويف من الإسلام، أو ما يعرف بالإسلام فوبيا، وهو أمر مع الأسف الشديد بات واضحاً، بفضل جهود قوى خارجية تسعى لخلق مواجهة بين الإسلام والعالم الغربي، وقوى من داخل المسلمين ساهمت في صنع هذا الوضع المتأزم الذي يعانيه المسلمون في كل مكان.
لقد جاء المهرجان الوطني للتراث والثقافة هذا العام في أعقاب هجمة شرسة شنها على بلادنا من كانوا يعتقدون أن وحدة هذا الوطن من الهشاشة بحيث تؤثر فيها ادعاءات باطلة، أو تحريض مكشوف، فجاء الرد الشعبي، ليكشف مدى تمسك أبناء هذه البلاد بوحدة وطنهم، وسلامة أمنه، وثقتهم بحكمة قيادته، وحرصها على تجنيب الوطن ما نراه من صراعات وفوضى تعم أرجاء من عالمنا العربي.
ولهذا فما نراه في مهرجان الجنادرية، وغيره من لقاءات الوحدة الوطنية، من تلاحم وتعاضد بين المواطنين، يتطلب منا جميعا السعي الحثيث لتعزيز هذه الوحدة وحمايتها، بإغلاق المنافذ التي يستغلها الأعداء للإساءة إلى الوطن، ومعالجة ما يوجد من قصور، أو تباطؤ في التعاطي مع قضايا الوطن الملحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي