مجلس (التهاون) الخليجي!

■ مع تأزم الوضع الداخلي الإيراني، بالذات مع انتفاضة الأحواز، كان متوقعا أن تصعّد إيران هجمتها الدبلوماسية الخارجية، وكان آخر هذه الهجمة دعوة إيران مجلس الأمن إلى إدانة التدخل الخليجي في البحرين، وكأن إيران أصبحت وصية إقليمية على شعوب المنطقة، وهذا مؤشر على عدوانية السياسة الإيرانية الخارجية، فهي التي تتدخل في الشأن العربي منذ عقدين من الزمن، تتدخل لزعزعة الأمن تمهيدا لطموحها الفارسي الكبير.
مجلس التعاون الخليجي في السنوات الماضية تبنى دبلوماسية (التهاون) مع إيران، وربما لهذا ما يبرره في السنوات الماضية انطلاقا من ضرورة تقديم النوايا الحسنة واعتبارات الجغرافيا والتاريخ، وهذا التوجه تنسفه إيران قولا وعملا وفعلا بعد أن استقوت بهيمنتها على الوضع في العراق وضمنت سورية إلى جانبها، وأشعلت جيوب الأزمات المحيطة بالخليج.
مجلس التعاون ظل أسير هذا التصور عن إيران، لذا لم يطور وثيقة عملية سياسية تضع خريطة طريق للتعامل مع إيران، فقد ظل الموقف تقريبا مشتتا ومتناقضا.. اتفاق في البيانات، واختلاف في الأفعال، إنه موقف أقرب إلى الاستهتار وعدم المبالاة بالمصالح العليا لشعوب المنطقة.
الذي نخشاه، ومن حقنا أن نعبر عن قلقنا منه هو أن إيران قد تفسر هذا الوضع المتراخي على أنه يقدم فرصة ذهبية للقيام بعمل متهور كالذي قام به صدام حسين عندما احتل الكويت، و(الذهنية السياسية) في إيران قد لا تختلف عن ذهنية نظام صدام، فالطبيعة الدكتاتورية لنظام حزب البعث ونظام الملالي تلتقي في نزعة الغطرسة، والوصول إلى هذه المرحلة يأتي بعد الاعتقاد ببلوغ ذروة القوة.. وهذا الغرور السياسي يحجب القدرة على صناعة قرار سياسي متعدد المدخلات والاحتمالات والمحاذير، وهنا يصل الإنسان إلى الحالة (الفرعونية)، أي لا أريكم إلا ما أرى.. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد!
مجلس التعاون عليه أن يتبنى حملة دبلوماسية مركزة تبرز لإيران خطورة الإقدام على مغامرة سياسية غير محسوبة قد تدخل المنطقة في أزمة كبرى مدمرة للموارد، وتفتح المنطقة لتدخلات دولية أخرى تعقد المشهد وتضيق ساحة الخيارات السياسية لدول المجلس، فإيران قد تقدم على عمل عسكري لفك الخناق عن سورية وحزب الله في لبنان، وإرسال إشارة ردع وتخويف إلى دول المجلس، وكذلك حفز الجهود لإعادة ترتيب الجبهة الداخلية، بالذات قمع أية انتفاضات محتملة، كما حدث أمس الأول لعرب الأحواز. الحملة الدبلوماسية التي قد تخنق إيران دوليا، وتضعف جبهتها الخارجية يمكن أن تتم عبر إحياء الحقوق العربية في الأحواز، فإيران أقدمت على احتلال أراض عربية كما فعلت إسرائيل، بترتيب مسبق مع بريطانيا إبان صراعها مع الروس مطلع القرن العشرين. فهذه الحقوق يجب أن ترفع إلى الأمم المتحدة مع تشكيل حكومة في المنفى للدولة العربية المحتلة.
وثمة مداخل سياسية وقانونية رئيسية لإثارة قضية الأراضي العربية المحتلة في إيران، فهناك الجانب الإنساني الذي عاناه العرب هناك، فإيران نصبت المشانق للسنة والشيعة، ولم تفرق بينهما في الظلم، فهدفها إنهاء الوجود العربي، وقد اتخذت لذلك خطة لعشر سنوات بدأ تنفيذها في عام 2005، وهي التي أدت إلى الثورة في هذا الجزء المحتل في تلك الفترة.
وتنص خطة إتمام الاحتلال للأحواز على ضرورة خفض نسبة السكان العرب في الأحواز إلى الثلث، وزيادة هجرة القوميات غير العربية وبالذات الآذارية للأحواز، وجاء في تلك الخطة النص على ضرورة تهجير الفئات المتعلمة من الأحواز إلى المحافظات الأخرى في إيران، وتبنت كذلك ضرورة إزالة كل (المظاهر العربية) من الأحواز عبر تغيير الأسماء للأماكن والناس، وهنا لا فرق بين شيعي أو سني، إنه تطهير للعرق العربي حضارة ولسانا وهوية.
إن هذا الاحتلال بكل ما نتج عنه من فظائع وانتهاك للحقوق الأساسية للإنسان ووضع المشانق لكل من يطالب بحق إنساني بسيط لعرب الأحواز يجب أن يكون جبهة جديدة للعمل العربي، ودول الخليج هي الأولى وصاحبة المصلحة المباشرة لقيادته.. فقد أصبحت إيران خطرا وجوديا على المنطقة يجب التعامل معه بكل جدية وعدم تهاون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي