المثلث الخليجي التركي المصري.. هل يقوم؟

خطوة إيجابية ومهمة أن يخصص وزراء خارجية دول مجلس التعاون جلسة خاصة استثنائية لتتناول بشكل كبير الخطر الإيراني على المنطقة، والبيان الذي صدر بعد الاجتماع يعكس رؤية سياسية موحدة نرجو أن تلتزم جميع دول المجلس بالموقف الذي حدده تجاه إيران وتدخلاتها الخارجية، والمهم أن التحركات تجاه إيران تأتي موحدة وملتزمة بهذه الرؤية الخليجية، وأن تكون ملموسة على أرض الواقع في جميع الأصعدة، بالذات بعد وصول الخطر الإيراني إلى التهديد المباشر لمصالح الشعوب واستقرارها.
التهديدات الإيرانية المباشرة الآن بضرب المصالح الخليجية خطوة مجنونة لتصعيد المواجهة لا تصدر عن دولة لديها مؤسسات حكم عاقلة ورشيدة، وإيران بوضعها السياسي القائم تشكل خطرا على السلام في المنطقة، وإذا نحن في السابق تعاملنا بحسن نية ورغبة صادقة في توحيد المصالح مع دولة جارة، فسوف نظل على هذا المبدأ مع الشعب الإيراني لأننا ندرك أن الحكومة المسيطرة الآن بأجندتها الصفوية الطائفية لن تصمد طويلا بسبب المعارضة الشديدة داخل إيران لهذا التوجه الطائفي الخطير، وأيضا بسبب الموقف الدولي الذي بدأ يتبلور حول العبث الإيراني في المنطقة، والموقف الدولي يجد الآن الدعم المعنوي له من دول المنطقة التي كانت في السابق تدعم الموقف الإيراني للتخفيف من حالة الحصار السياسي والاقتصادي التي يفرضها المجتمع الدولي على إيران.
دول مجلس التعاون، وأمام هذا الخطر الإيراني، ربما عليها الآن أن تتجه بقوة إلى مسار استراتيجي لاحتواء الخطر الإيراني في المدى البعيد، وذلك عبر مسار عملي يجند الموارد المالية والفكرية لإيجاد مثلث ارتكاز جديد للسلام والأمن والتعاون في المنطقة. هذا المثلث يقوم على دول مجلس التعاون مع تركيا ومصر ويدعم أيضا بحضور قوي لباكستان في هذا التجمع، وهذا المثلث الجغرافي السياسي سيكون حائط صد قويا أمام الأطماع الإيرانية، وسوف يوجد حماية أو مظلة بعيدة المدى لكل من العراق وسورية، فالخطر الإيراني يتضح الآن بقوة من إضعاف العراق وسورية بعد تحويلهما إلى جسر للعبور الإيراني للمنطقة، وهذا الاختراق الإيراني يحمل مفارقة عجيبة، فالبلدان اللذان قادا القومية العربية الآن تحولا إلى مصدر تهديد خطير للأمن القومي العربي.
هذا المثلث تلتقي مصالحه على عدة جبهات، وتخدمه خصائص متقاربة إلى حد كبير, إذ يميل إلى التجانس الثقافي والاقتصادي، والثقل الحضاري للعالم الإسلامي في القرون الماضية كان مرتكزه هذا المثلث، فمنه كان انطلاق القوة الإسلامية بحضورها العالمي، وهذا المثلث هو قلب الشرق الأوسط ويقع في (قلب العالم).. مطمع القوى العظمى.
إنشاء هذا المثلث الخليجي ـــ التركي ـــ المصري المدعوم بباكستان تهيئ الأوضاع الدولية المعاصرة الظروف المثلى لقيامه، فدولة محورية في المنطقة مثل تركيا تتبنى الآن وبقوة العودة الفاعلة والمؤثرة في الأوضاع الإسلامية والعربية, بالذات بعد بروز تفوقها الاقتصادي وحيوية سياستها الخارجية واتجاهها القوي للخروج من صورتها النمطية، (شرطي الغرب)، في المنطقة، فهذا التوجه الاستراتيجي التركي يجب استثماره ليكون رافدا للأمن العربي في الخليج وفي إفريقيا، وآلية سياسية وعسكرية لترتيب العلاقة مع القوى العظمى التي لها مصالح حيوية في المنطقة، فمن الأفضل للمنطقة وجود تكتل إقليمي يكون له دوره في صياغة مستقبل المنطقة وربط مصالحها مع المجتمع الدولي بصورة تقوم على التعاون لا الصراع لاستثمار الموارد الحيوية.
ومثلث القوة هذا سيكون من صالح المنطقة لأنه سيوجد توازنا للقوى ورادعا لكل من إيران وإسرائيل، إذ سوف يساعد مصر ودول الخليج على ترتيب أوضاعها الداخلية والمضي في رفع كفاءة إدارة الاقتصاد والسياسة بعيدا عن التوترات الإقليمية المتلاحقة والتي كان آخرها مشروع أثيوبيا ببناء سد كبير على أحد روافد النيل، وهذا له خطره على الأمن المائي والغذائي في مصر، وهناك تقديرات لفقدان خمسة ملايين فلاح مصري لأراضيهم الزراعية، وهذه خطوة جديدة في مسار تصعيد أزمة المياه في المنطقة.
لذا أمام الاعتبارات والمتغيرات الجديدة بالذات التهديدات الإيرانية الصريحة الآن.. دول الخليج عليها أن ترتقي إلى التحديات الجديدة في المنطقة، وتطور مجلس التعاون ليكون منظمة تبادر إلى (تغيير) البيئة السياسية والاقتصادية في المنطقة، لا نريد المجلس مجرد مؤسسة يقوم أداؤها على (ردود الأفعال)، فالانتقال إلى هذه المهمة الجديدة سوف يكشف قدرات دول المجلس.. وأيضا يكشف مدى التزامها الفعلي العملي وليس (الكلامي) بمبادئ المجلس ومصالح شعوبه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي