إيران تجر نفسها للمواجهة مع الشارع العربي!

الخلية الإيرانية التي كشفت وجودها حكومة الكويت, وهي "تبين أن هناك مؤامرة على أمن الكويت السياسي والاقتصادي والعسكري حيكت من قبل إيران" على وصف الشيخ محمد الصباح وزير الخارجية, تؤكد أن إيران مصدر خطر على المنطقة، ومع الأسف أن هذا التدخل الخطير في شؤون دول الخليج يبدو أن هدفه الأساسي العبث وإثارة الفوضى لتحويل دول الجوار إلى (عدو)، فالثورة حتى تستمر في زخمها تحتاج إلى عدو خارجي حتى يكون للنظام الغطاء الشرعي للاستمرار بنظام الجمهورية الذي يقوم على الحكم المطلق للفقيه أي استمرار حكم الملالي، وهو الحكم الذي يؤكد فشله في الداخل بعد أن انضم إلى مسار المعارضين له الجناح الإصلاحي من الملالي ومؤيدوهم وبقية الفئات والطوائف المقموعة في إيران.
تقريبا.. ليس هناك تفسير غير هذا، لأن الذي يعرف أوضاع الخليج العربي وارتباطه بمحيطه العربي والإسلامي الكبير يدرك أن إيران لن تنجح في مشروع تصدير الثورة، لأن المشروع ضده: الوضع التاريخي الكبير الموروث، وضده الوضع الإقليمي، وضده الوضع الدولي، وقبل هذا كله ضده الوضع الداخلي العربي.
الحكومات في دول الخليج تستطيع أن تثير الشارع الإسلامي والعربي ضد إيران، فإمكاناتها وثقلها السياسي واستقطابها للجاليات العربية والإسلامية وشبكة مصالحها التجارية, تؤهلها باقتدار لطرح عدة أوراق مؤثرة في الصراع ضد إيران، تستطيع إثارة المخاوف الطائفية في الشارع الإسلامي والعربي، تستطيع إثارة المخاوف الاقتصادية الدولية على موارد المنطقة، تستطيع تحريك القوى الإقليمية لإحداث مساحات توتر حول إيران تخلخل بنيانها الداخلي عبر تحريك مطامح الأقليات وحقوقها.. بالذات الحقوق العربية التاريخية الطويلة في الخليج.
دول الخليج تستطيع ذلك دون شك، لكن ما يمنعها إحساسها أن حقائق الجغرافيا والجوار هي الأهم والأبقى، فالملالي لديهم مشروعهم في إيران وهو مشروع متلبس بالطائفية والقومية، وهو مشروع سيفقد دعمه وزخمه وقدرته على النمو والتوسع لأن الإمكانات الاقتصادية والعسكرية لا تدعمه، وإيران بعد سباق التسلح وبعد مشاريع الإنفاق الضخم على الإعلام في الخارج وتسليح الخلايا ودعم الأحزاب لن تستطيع أن تستمر بينما جزء كبير من شعبها يظل مسحوقا ويعاني صعوبات الحياة.
لذا دول الخليج تصفح الصفح الجميل عن مشاكل إيران وإهاناتها وتعدياتها على حقوقها، لأنها تعظم قيم الجوار وترى أنها الأبقى، ولأنها أيضا ــ وهو المهم ــ مشغولة ببناء مجتمعاتها، فلا ترغب في أن تستنزف جهدها السياسي ومواردها على مشاريع سياسية خارجية على حساب مصالح شعوبها القريبة وبعيدة المدى. دول الخليج ظلت لسنوات تقدم حسن النية في علاقاتها مع إيران, حتى (الجزر الإماراتية المحتلة) بقيت قضيتها بعيدة عن هموم المنطقة, ولا تثار إلا في سطر واحد في البيان الختامي للقمم الخليجية السنوية, وكثيرون في العالم العربي لا يعرفون أن إيران هي الدولة الثانية بعد إسرائيل التي تحتل أراضي عربية, بل الإمارات ظلت تعطي إيران ميزة كبيرة في التبادل التجاري، والتجار الإيرانيون من أكثر المستفيدين من الطفرة الاقتصادية والانفتاح التجاري في الإمارات, بل الإمارات كانت لها مبادرات للتقارب مع إيران في عز تدخلها في الشأن العربي!
وحتى الكويت كان لها مواقفها الداعمة لإيران, ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح بعد اكتشاف الخلية الإيرانية أعرب عن خيبة أمله من المواقف الإيرانية, وتحدث بمرارة عن سياسة إيران التخريبية الكبيرة في الكويت, رغم أن الكويت كانت إلى صف إيران ضد رغبة المجتمع الدولي في أكثر من مناسبة, والكويت عبر عن سياسة تقارب حكومية وشعبية تجاه إيران في السنوات الماضية, وقبل عامين في لقاء خاص في الرياض مع عدد من الإخوة النواب في مجلس الأمة الكويتي, أذكر أنه قد بدا لنا غريبا موقفهم تجاه إيران بالذات ما يخص المشروع النووي, فلم يبدوا انزعاجا من المشروع وكانوا أكثر ميلا إلى عدم اختلاق أزمة مع إيران لأنهم يرون أن المشروع له أبعاد سلمية, وحتى قللوا من المخاوف الفنية التي ترى أن الخبرة الفنية في إيران لا تضمن عدم وقوع كوارث بسبب عدم كفاءة التشغيل واحتياطيات السلامة, وهذا الموقف الكويتي أرى أنه طبيعي ويعبر عن (حسن النية الحقيقي) لدى شعوب الخليج تجاه إيران .. والآن بعد انكشاف الخلية الخطيرة في الكويت, ربما نتفهم حدة الموقف الحكومي والشعبي في الكويت تجاه إيران, وهو نفس الموقف الموحد والقوي الذي أبداه البحرين, حكومة وشعبا, تجاه العبث الإيراني.
وكما قال وزير الخارجية الكويتي .. نحن جميعا نقول: هل هذا ما تستحقه دول الخليج من إيران؟ هل نلام إذن في أي موقف خليجي موحد صارم تجاه إيران؟
النخب السياسية والفكرية في الخليج كان لها موقفها الداعم القوي لخيارات السلام والوئام مع إيران, حيث ترى ضرورة جر المصالح إلى التكامل والمشاركة, لكنها الآن ستكون محرجة أمام اعتبارات المصالح القومية ومصالح شعوبها بعد انكشاف المشروع الإيراني في البحرين والكويت, الذي يستهدف مصالح الشعوب واستقرارها والخوف الآن من مشاريع مشابهة في دول أخرى, ولعلها تنكشف قبل إحداث الدمار والخراب!.
إيران بدأت بنفسها تحرك الشارع العربي ضدها, وهذا ما كان يخشاه العقلاء والحكماء في المنطقة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي