مشروع خليجي لتنمية اليمن
■ المشروع الخليجي الذي اعتمد مؤخرا وهو (برنامج التنمية الخليجي) كانت أولى مساهماته هي تمويل عُمان والبحرين مناصفة بـ 20 مليار دولار، لأجل دعم برامج التنمية الضرورية في البلدين، وهذه خطة مهمة لتحصين الجبهة الداخلية الخليجية.. بعد هذا المشروع نتطلع إلى تحرك خليجي لتحصين الجبهة الداخلية للجزيرة العربية كلها، وذلك عبر تبني مشروع لدعم التنمية في اليمن، فلا يمكن لدول الجزيرة العربية أن تتطلع إلى استقرار شامل بدون مساعدة الشعب اليمني على تجاوز المشاكل والتحديات التي تواجه استقراره ونموه واستفادته من معطيات الثروة في المنطقة.
طبعا هذا الدعم المقترح هو تكملة للدعم الكبير والمتواصل لليمن الذي تقدمه دول مجلس التعاون، فالأشقاء في اليمن لهم حصتهم المميزة من مشاريع برامج المساعدات الخارجية لدول المجلس، كما أن الجالية اليمنية تحظى بتسهيلات ومميزات كبيرة تيسر لها الحركة والمساهمة في النشاط التجاري، وهذه قد لا تكفي في الوقت الراهن، بل نحتاج إلى برامج موجهة لتنمية القوى العاملة اليمنية، ورفع مهاراتها وتعليمها، وهذا له فوائده على اليمن وعلى المنطقة.
برنامج تنمية القوى العاملة هناك من يرى أنه المشروع العاجل والذي له أثره المباشر والسريع، وفي السابق طرحت عدة مشاريع وكان آخرها مقترحا سبق أن نشرناه ("الاقتصادية" 27/11/2010) للدكتور عبد الرحمن الزامل، وفيه يدعو إلى إنشاء صندوق صناعي دولي يمني لدعم الصناعة، ويكون مدعوما بإنشاء معاهد ومراكز متخصصة للتدريب المهني والتقني في اليمن.
مثل هذا المشروع له أبعاده الإيجابية المباشرة إنسانيا واقتصاديا على الشعب اليمني، وأيضا له المكتسبات الإيجابية على دول مجلس التعاون. فمثل هذا المشروع سوف يوفر قوى عاملة مدربة تساهم في قطاعات التشييد والبناء، وفي المجالات الصناعية العديدة، كما يمكن الاستفادة منهم في قطاع الخدمات، لذا اقتراح الدكتور الزامل لإنشاء صندوق صناعي يمني بتمويل خليجي ودولي ربما يكون المدخل العملي لإطلاق برنامج للتنمية في اليمن.
الدكتور الزامل يتوقع أن يكون لبرنامج تنمية القوى العاملة في اليمن أثر كبير في اقتصاد اليمن، إذ يتوقع أن (كل وظيفة تفتح ليمني في أي دولة بعد تدريبه ستعطي فرصة لعشرة يمنيين لكي يعيشوا حياة كريمة في اليمن من تحويل الدخل المتوقع)، وهذا في رأيه أفضل من المساعدات العسكرية وغير العسكرية التي لا تذهب مباشرة إلى دعم البنية التحتية.
أعتقد أنه محق في ذلك، فنحن يجب أن نأخذ بيد الشعب اليمني لكي ينتصر على ظروفه الصعبة. وأبرز جبهة صعبة يواجهها اليمن هي عدم استفادته من خيرات أرضه، فما يشتكي منه إخواننا هناك هو توجيه أغلب مواردهم الطبيعية لزراعة (القات)، وهذا أضرهم اقتصاديا واجتماعيا، وفتح الباب لتحويل الثروات التي جمعها العاملون اليمنيون بكدهم وتعبهم لتعبر عبر المسار الاقتصادي إلى خارج بلادهم.
لذا دول الخليج عليها أن تساهم في إنشاء برامج للتنمية الاجتماعية التي تدعم المزارعين عبر آليات جديدة للتنمية الزراعية، فالمزارعون يحتاجون إلى البدائل الزراعية المربحة التي تحولهم عن (القات). إنهم يحتاجون إلى برامج لتمويل إنشاء جمعيات زراعية تعاونية، وإنشاء برامج للإرشاد الزراعي، وتطوير آليات الري وحفظ المحاصيل ونقلها، أي تطوير شامل للبنية الأساسية للقطاع الزراعي، واليمن فيها تجارب ناجحة في هذا المجال، بالذات في مجال الصناعات الغذائية.
الاستعداد الخليجي لهذا البرنامج لتمويل التنمية في اليمن ضروري الآن، فتطور الأحداث هناك نرجو وندعو الله ألا يأخذ البلد إلى منزلق خطير يدمر مكتسباته السابقة، ولعل الأحزاب تتنافس إلى السلطة، لا تتصارع عليها ونرجو (ألا يفجروا في الخصومة)، فهذه من الخصال المحرمة المذمومة في المسلم، وربما يؤدي تبني مثل هذا البرنامج مع برامج دولية أخرى إلى المساهمة في تهدئة الأوضاع، والمساعدة على الانتقال السلمي للسلطة.
أيضا معطيات برنامج تطوير واستقرار اليمن، بالذات تنمية موارده البشرية سوف يساعد دول الخليج على استقطاب كوادر عاملة ضرورية لإحداث توازن في التركيبة السكانية للجزيرة العربية، فاليمن هم الامتدادات الأولى لشعوب الجزيرة العربية، وهم جزء من نسيجنا الاجتماعي والديني والثقافي.