هل يشهد الصراع العربي ـــ الإسرائيلي تطوراً؟
التطورات الجارية في المنطقة العربية أقنعت الغرب بأن حساباته خاطئة، وأنه لم يأخذ في اعتباره كثيرا من العوامل وبنى حساباته على عنصر واحد وهو الحكام العرب، فكلما كان الحاكم بعيداً عن شعبه كان حراً في تحالفاته مع الغرب ومع إسرائيل، مما دفع الغرب وإسرائيل إلى الحلم بعالم جديد ما دامت المعادلات صحيحة وثابتة، وما دام الغرب سعيداً بحلفائه العرب ويمدهم بكل وسائل قمع الشعوب. بدأ الغرب يتنبه إلى المعادلة الجديدة في الصراع العربي ـــ الإسرائيلي؛ وهي أن إسرائيل طرف في كل ما حدث بشكل مباشر أو غير مباشر خاصة في مصر، حيث بلغ الوضع حالة لا يمكن السكوت عليها حتى وصل إلى الانفجار.
شعر الغرب بالقلق من هذه الحالة السائبة المرسلة، خاصة أنه يبارك التوجهات الديمقراطية. شعر الغرب أيضاً بأنه دافع عن ديمقراطية عنصرية في إسرائيل وأن إسرائيل أسرفت في استخفافها بالعرب والفلسطينيين، وجشعها في ضم كل فلسطين ورفضها المبادرة العربية وتصميمها على تجاهل المؤشرات والنداءات كافة. وكانت حسابات إسرائيل تقوم على أساس أن الوسط الرسمي العربي عاجز عن الفعل، والصراع العسكري معها بات مستحيلا، والتحريض على المقاومة يسير سيراً حسناً والفلسطينيون منقسمون ولا أمل في إعادة وحدتهم، خاصة أنها وواشنطن تحاربان هذه الوحدة بكل الطرق، وبات ذلك ظاهرا معروفاً بعد المحاولات السعودية والمصرية. وتسمرت عيون العرب على واشنطن وتعلقت قلوبهم بمساعيها لوقف الاستيطان، ثم خاب فألهم عندما شعروا بعجز أوباما عن التأثير على إسرائيل.
وعندما ناقش مجلس الأمن مشروع القرار العربي حول وقف الاستيطان ـــ وكان ذلك طلباً جزئياً ـــ اختزل القضية كلها في واحدة من أخطر أدوات المشروع الصهيوني، فإن التصويت كانت له دلالة كبيرة في التحليل السياسي لمجمل الصراع. كان الموقف الأمريكي كالعادة داعماً لإسرائيل رغم أنه حاول أن يميز بين رفضه الاستيطان كسياسة ورفضه إدانة إسرائيل كعقيدة، والعقيدة أقوى في هذا المقام من السياسات، فكان الفيتو الأمريكي رغم تخفيف صياغة مشروع القرار ورغم أن إسرائيل لا تحترم قرارات الأمم المتحدة أصلاً، بمثابة ضمان واشنطن بموقف شكلي من هذه القضية الخطيرة.
وقد لفت النظر في التصويت أن 14 دولة أجمعت على رفض الاستيطان فكانت جبهة واحدة ضد الولايات المتحدة، لكن اللافت في هذا الموقف هو تصويت ألمانيا لأول مرة منذ توحيد ألمانيا الشرقية والغربية لمصلحة القرار ـــ وهي سابقة خطيرة بالنسبة لإسرائيل وألمانيا والولايات المتحدة. فألمانيا وأوروبا ضاقوا ذرعاً بمخاطر التعنت الإسرائيلي الذي أسهم في انفجار المنطقة بسبب الظلم الفادح وانسداد أفق السلام.
لا تزال إسرائيل تلوح بالقوة العسكرية رداً على تطورات المنطقة وعليها أن تلوح بدلاً من ذلك بنوايا السلام العادل الدائم، ولعل الغرب يحث إسرائيل هذه المرة، في ضوء هذه التطورات، على قبول مبادرة السلام العربية حتى نبدأ دورة السلام بعد أن يئس الجميع من حلول السلام العادل، ولذلك نتوقع أن تبدأ أوروبا في الضغط على إسرائيل لأن مصلحتها تتطلب أن تعالج القضية معالجة سياسية وليس معالجة عسكرية كما جرت عادة إسرائيل. فهل تستطيع إسرائيل أن تحدث تغييراً جينياً في معادلات الصراع؟