قطاع التجزئة .. وتوطين فرص العمل
كما هو معلوم أنه خلال الفترة الماضية، جعلت المملكة ضمن أولوياتها توطين سوق العمل، أو ما يطلق عليه السعودة، ولا شك أن هذا خيار استراتيجي مهم لتحقيق فرص عمل كريمة للمواطن، خصوصا أن فئة الشباب تعتبر المكون الأكبر للسكان في المملكة، والبطالة أصبحت تمثل تحديا للاقتصاد المحلي، خصوصا أنه سنويا تدخل أعداد كبيرة من القوى العاملة المؤهلة إلى سوق العمل، وهذه الأعداد الكبيرة من المهم في هذه المرحلة توفير فرص الكسب لها بمختلف الطرق والوسائل، بما يمكنهم من الحصول على دخل مناسب يلبي احتياجاتهم ويفي بمتطلبات أسرهم. وكانت هناك تجربة في سعودة أو توطين مجموعة من القطاعات، لكن لم يتم النشر بشكل واسع دراسات تبرز نتائج هذه البرامج، ليتم تقييمها والاستفادة منها في التخطيط لتوطين قطاعات أخرى.
في الفترة الحالية نجد أن هناك تركيزا على توطين قطاعات إضافية، خصوصا في قطاع التجزئة، إذ ينظر إليه على أنه قطاع يدر عوائد كبيرة، وفي الوقت نفسه يمكن أن يوفر فرص عمل كبيرة جدا تفي باحتياج نسبة كبيرة من أبناء المجتمع. ولقد بُدئ فعليا في هذا القطاع منذ فترة، حيث تمت سعودة قطاع سوق الخضراوات، إضافة إلى أسواق الذهب، وهذه تجربة تحتاج إلى التقييم للاستفادة منها. كما أن كثيرا من الشركات الكبرى في قطاع التجزئة اليوم تستوعب أعدادا كبيرة من المواطنين، وهذه ميزة مهمة لقطاع التجزئة، حيث إن هناك قطاعات مثل قطاع الصناعة قد يتم استبدال القوى العاملة بآلة التقنية الحديثة، وكما ذكر معالي وزير العمل في أحد اللقاءات أنه حين كان الرئيس التنفيذي لشركة صافولا، استبدلت الشركة 50 موظفا من القوى العاملة الأجنبية بثلاثة موظفين سعوديين فقط، وذلك بالاستفادة من التقنية، ومثل هذا الإجراء إذا ما تم بشكل واسع في قطاع معين فإنه قد يحد فعليا من توفير فرص للمواطن، ولذلك ينبغي أن يتم أخذ هذا الأمر في الاعتبار عند اختيار أي قطاع لتوطين القوى العاملة فيه.
ولذلك هناك قضايا من المهم أخذها في الاعتبار عند تحديد القطاعات المناسبة لإحلال القوى الوطنية فيها:
أولا: أنه لا بد من اختيار القطاعات التي تتطلب قوى عاملة، ووجود التقنية لا يؤثر كثيرا في توفير هذه الوظائف، وقطاع التجزئة غالبا واحد من القطاعات التي توفر فرص عمل كبيرة حتى لو أنه تم تفعيل التقنية في قطاعاته.
ثانيا: عند الحديث عن قطاع التجزئة، فإنه لا بد من التأكد من أن فتح مجال العمل في هذا القطاع لا بد أن يتزامن مع مجموعة من الإجراءات للحد من ممارسات غير مشروعة من خلال تستر بعض المواطنين على القوى العاملة من غير المواطنين، الذي أدى إلى سيطرة بعض الجنسيات على نسبة كبيرة من منافذ التجزئة، بشكل يجعل فرص العمل والاستثمار للمواطن محدودة جدا.
ثالثا: التجزئة قطاع كبير جدا, ومن الصعب أن يتم توطين الوظائف فيه في وقت واحد، لكن ينبغي عند البدء في توطين هذا القطاع أن يتم ذلك بعناية، مع مراعاة أنه قطاع يمكن أن يحقق للمواطن فرصة عمل واستثمارا تدر له دخلاً مناسباً، وتوفير بيئة عمل في هذه المرحلة مناسبة أيضا للمواطن، حيث إننا نعلم أن بعض قطاعات التجزئة تتطلب فترة عمل طويلة جدا، وقد لا تناسب المواطن للعمل فيها بوضعها الحالي.
رابعا: أن يتم وضع حد أدنى للرواتب في هذا القطاع سواء للمواطن أو المقيم، للحد من تضاؤل تنافسية المواطن الذي يعمل في هذا القطاع لحرص المستثمر حينها على استبداله بغير المواطن للفارق الكبير في التكلفة أحيانا.
خامسا: لا بد أن يؤخذ في الحسبان أن إجراءً من هذا النوع سيؤثر في الأسعار بشكل أو بآخر، وفي المستثمرين أيضا بسبب زيادة التكلفة التشغيلية، لذلك لا بد من العمل على تهيئة الظروف التي تقلل من هذه الآثار، والتأكد من متابعة تطبيقه من قبل الجميع كيلا تكون هناك منافسة غير عادلة بسبب تجاوزات البعض، الذي يؤدي إلى خسارة مستثمرين آخرين في هذا القطاع.
السادس: لا بد أن يتزامن موضوع التوطين مع تهيئة ظروف الاستثمار في هذا القطاع والتكسب من قبل الشباب أو المستثمرين الجدد، وذلك من خلال تهيئتهم وتدريبهم للاستثمار في هذا القطاع، لأنه من المحتمل بشكل كبير أن يتم خروج بعض المستثمرين منه لأسباب متعددة، وبالتالي سيتضرر المستهلك من توطين هذا القطاع ويكون لذلك أثر سلبي عكسي.
سابعا: أن تتم التوعية والإعلان لفترة كافية بالعزم على توطين هذه القطاعات المحددة، لتتم تسوية أوضاع هذه المؤسسات قبل التطبيق، خصوصا أنه ـــ بحمد لله ــ تم إقرار إعانة للعاطلين عن العمل، فإذا ما تم الإعلان عاجلا خلال الفترة المقبلة عن العزم على توطين قطاع معين فإنه يتم تطبيق ذلك بعد عدة أشهر, كثلاثة مثلا، مع تشجيع البدء بذلك حالاً.
ثامنا: هناك أمر مهم يتعلق بالعلاقة بين الموظف وصاحب العمل ينبغي أن يتم وضعها في الاعتبار حيث يشتكي بعض رجال الأعمال من أن بعض المواطنين يعملون لديه, وما إن يمضي فترة محدودة إلا ويترك العمل دون إخبار صاحب العمل بفترة كافية كي يعمل على تسوية وضعه، ويتم ذلك بعد أن تلقى الموظف فترة من التدريب وتم الاعتماد عليه، وهذا قد يترتب عليه ضرر للمستثمر. فلا بد أن يكون هناك عمل على وضع نظام والتزام بين المستثمر والموظف للحد من مثل هذه الظاهرة.
والخلاصة أن توطين قطاع التجزئة خيار استراتيجي مهم في هذه المرحلة، وينبغي أن يتم من خلال آلية تحد من أن تترتب عليه آثار سلبية مؤثرة في المجتمع.