صناعة المحتوى الرقمي العربي
يشكل ضعف المحتوى الرقمي العربي أحد أهم العوائق التي تواجه خطة الدولة للتحول إلى المجتمع المعرفي، حيث يجد كثير من أفراد المجتمع صعوبة في الاستفادة من محتوى الإنترنت، الذي تسيطر عليه اللغة الإنجليزية بنسبة كبيرة, إضافة إلى لغات عالمية أخرى مثل اليابانية والألمانية والصينية وغيرها، بينما لا تشكل اللغة العربية سوى نسبة تقل عن 1 في المائة من إجمالي المحتوى الرقمي العالمي.
ويُقصد بالمحتوى الرقمي العربي جميع المعلومات أو المواد المعرفية، سواء كانت نصية أو مواد مسموعة أو مرئية أو أشكال أو برامج، التي تكون متاحة باللغة العربية في الإنترنت. ويشتمل المحتوى الرقمي في الإنترنت بشكل عام على كثير من المعلومات التي يحتاج إليها الفرد في شؤون حياته اليومية، بما في ذلك العلوم والمعرفة والاقتصاد والمال، والصحة والتعليم، والسياسة والاجتماع، والرياضة والترفيه، وهذا المحتوى الرقمي الهائل موجود في بنوك للمعلومات، ومواقع حكومية، وهيئات ومنظمات غير ربحية، وشركات، وجامعات، ومكتبات، ومراكز بحوث وغير ذلك. ويتم قياس مستوى المحتوى الرقمي للغة ما في الإنترنت من خلال مؤشرات؛ منها عدد الصفحات المتاحة في الإنترنت بتلك اللغة، وعدد المواقع، ومدى استعمال المواقع، ومدى وجود محركات بحث وأدلة بحثية بتلك اللغة، إضافة إلى بعض المؤشرات التي تعتمد على عوائد الدعاية والإعلان.
ويرجع انخفاض نسبة المحتوى الرقمي العربي إلى عوامل متعددة، لعل من أبرزها عدم وجود سياسات ورؤية مستقبلية واضحة لصناعة المحتوى الرقمي العربي، وضعف البني اللازمة لإنشاء وإدارة صناعة المحتوى، إضافة إلى غياب التنسيق بين الدول العربية المعنية بهذه الصناعة. في ظل ذلك تم تكليف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ـــ من خلال مبادرة الملك عبد الله للمحتوى العربي ــ بوضع استراتيجيات وتنفيذ مبادرات ومشاريع تطوير المحتوى الرقمي العربي محليا، ويجري حالياً إعداد الاستراتيجية العامة التي من المتوقع أن تتضمن خطة معالجة شاملة لمشكلة قصور المحتوى الرقمي العربي، وأن تشمل خريطة طريق للوصول إلى صناعة محتوى يلبي احتياجات المجتمع المحلي، وتعمل على تحقيق سياسات وتوجهات خطط التنمية الوطنية المرتكزة على التحول إلى المجتمع والاقتصاد المعرفي.
الخطورة التي تواجهنا الآن تتمثل في التطور المتسارع في صناعة وتقنيات المحتوى الرقمي على مستوى العالم، حتى نتمكن من مجاراة هذه التطورات، نحن مطالبون بالانتقال سريعاً من مرحلة تحويل المحتوى العربي المتاح إلى الصيغة الرقمية ـــ وهي المرحلة التي نحاول إنجازها حالياً ـــ والوصول إلى مرحلة المحتوى الآلي، حيث يمكن التنقيب عن المعرفة في المحتوى، والفهم الآلي للمحتوى، وتوليد محتوى جديد من المحتوى المتاح آلياً، ويستدعي ذلك المرور بمراحل انتقالية متتالية تتضمن كثيرا من المعالجات التي تتطلب كثيرا من الوقت والعمل الجاد.
المثير في كل هذا أن الأمر لم يكن اختيارياً قط، كما لم يكن قابلاً للتأخير، وحذرت هيئات عالمية مثل ''الإسكوا'' التابعة للأمم المتحدة، الدول العربية من خطورة التأخر في التعامل مع قضية المحتوى الرقمي العربي منذ سنوات طويلة، ودعت إلى سرعة التنسيق والتعاون المشترك لإنشاء صناعة عربية للمحتوى الرقمي، وأقصى ما تم إنجازه هو تنظيم الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية حول الموضوع!
نحن في حاجة إلى التحرك سريعاً لتأسيس صناعة محتوى تكون فاعلة ومؤثرة وقادرة على الاستمرار والتطور والمنافسة عالمياً، فصناعة المحتوى هي المحرك الرئيس للاقتصاد المعرفي، ودون وجود محتوى رقمي عربي يستجيب لاحتياجات المجتمع المعرفية، لن يكون لدينا مجتمع معرفي ولا اقتصاد معرفي، فاللغة وعاء المعرفة والمحتوى؛ يجسد المعرفة ويتيحها لأفراد المجتمع، وليس من المبالغة الادعاء أن مصير سياسات التنمية الوطنية يرتبط ارتباطا وثيقاً بمدى النجاح في إقامة صناعة المحتوى الرقمي العربي.