قمة بغداد العربية

يشتد التساؤل اليوم كلما اقترب موعد القمة العربية في بغداد المقرر انعقادها في الأسبوع الأخير من آذار (مارس) المقبل، حول فرص انعقادها. هذا التساؤل كان قد طرح بشدة منذ شهور وانقسم الرأي يومها حول نقطتين، الأولى تتعلق بقبول دعوة الحكومة العراقية أصلا بعقد القمة في العراق، والأخرى حول إمكانية عقدها. كان الرأي منقسما في مرحلتي قمة سرت وما بعدها. فقد رأى البعض أن انعدام الأمن في بغداد واستمرار الاحتلال الأمريكي لها عائقان، أحدهما مادي حقيقي والآخر قانوني صحيح مهما حاولت واشنطن الالتفاف على هذه الحقيقة حتى بقرارات مجلس الأمن، بينما رأى فريق آخر آنذاك أن عقد القمة في بغداد ينسجم مع أهداف العالم العربي في تعزير وجوده في مواجهة مخاطر إقليمية وتدخلات مباشرة، ورأى فريق ثالث أنه دعم لحكومة المالكي رغم كل التحفظات عليها وآخرها ما ظهر في وثائق ويكيليكس من جرائم ارتكبت ضد الشعب العراقي. وعلى الجملة، فقد رحبت الحكومة العراقية وحاولت أن تدحض الحجج المضادة وأن تؤكد أن الأمن مستقر وأن القمة ستشجع العراقيين على المضي نحو الوحدة والاستقلال، وأن عقد القمة تعويض عن غياب العالم العربي بشكل فاعل وترك الساحة لغيرهم ثم الشكوى بعد ذلك من استهداف الآخرين العراق. وكنت ممن أيدوا رغم كل شيء انعقاد القمة في العراق، رغم ثقتي بعجز هذه القمة وغيرها من القمم العربية عن الاقتراب من آمال المواطن العربي.
تفجر الخلاف من جديد هذه الأيام على أساس مختلف، فقد رأى البعض أن عاصفة الاحتجاجات التي دخلت المنطقة العربية من البوابة التونسية ولامست الكثير من الأفكار العربية تجعل القمة ضرورية لاتخاذ موقف موحد تجاه هذه الأحداث، خاصة أن قمة شرم الشيخ الاقتصادية عقدت بعقلية تجاوزتها الأحداث أو أن قراراتها لم يقدر لها أن ترى النور، وكان هاجس مصر في هذه القمة، الذي تبدى خلالها هو دعم الدول العربية لها بدفع التدخل الخارجي الذي بدت نذره بعد تفجير كنيسة القديسَين في الإسكندرية عشية أعياد الميلاد، وثبت أن ذلك له سياق مخالف تماما لما حدث في الواقع.
أما الفريق الثاني، فيرى أن الاضطرابات في العالم العربي لم تتوقف وأن هدوء العاصفة بعد أشهر سيخلق عالما عربيا جديدا، وأن ما يحدث الآن هو فورة كالبركان غذتها عشرات السنين من الفساد والقهر وعدم الجدية في الإصلاح، وتغييب وعي الشعوب. ولا أحد يستطيع أن يجزم إن كانت النتيجة هي عالم عربي متسق مهيأ للوحدة، وهذا هو الأمل، أم أنه عالم جديد تمزقت بعض دوله. فالملاحظ أن القسوة في ليبيا ضد المحتجين ومحاولة فرض نظام ظن أنه شعبي وأنه قريب من نبض الناس وأن الدول المجاورة والغرباء حسدوا الشعب الليبي على الخير الذي يعمه فخططوا لهذا "التخريب" وأنهم سيستخدمون كل قوة لقمعها بما فيها الطيران، وهذا يعجل بسقوط النظام.
على أية حال يبدو لنا أن تطورات العالم العربي لا تزال مستمرة وأن عقد قمة في بغداد في الوقت الراهن، خاصة في ظل ضبابية الموقف العام وبدايات الثورة في العراق قد لا يكون عملا ممكنا.
هذه هي قراءة الصورة في هذه اللحظة، لكن أحدا لا يستطيع أن يقطع بصورة الغد إلا علام الغيوب له الحكم وإليه يرجعون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي