الجمارك والقائمة البيضاء

لفت انتباهي ما نشرته جريدة ''الرياض'' بتاريخ 10/3/1432هـ عن التصنيف الذي شرعت فيه مصلحة الجمارك لإعداد ما سمته ''قائمة بيضاء'' للمستوردين الملتزمين بالمتطلبات والشروط التي تضعها المصلحة. وأحسب أن الهدف من إعداد تلك القائمة، وإن لم يُذكر صراحة في الخبر، هو تقديم تسهيلات مميزة لأولئك الملتزمين، ولا سيما في إجراءات التفتيش والمعاينة، مكافأة لهم وتشجيعاً للآخرين ليحذوا حذوهم. تلك الخطوة ، متى أنجزت، سيكون لها مردود جيد وملموس على الاقتصاد الوطني، وبالذات في المنافذ البحرية التي تستقبل أكثر من 80 في المائة من البضائع الواردة للمملكة من الخارج.
إن أهمية الموانئ في العالم تزداد يوماً بعد يوم في ظل الزيادة المتنامية للتجارة المنقولة بحراً، يعززها الانخفاض المستمر في أجور الشحن عن طريق البحر, الذي أصبح وسيلة النقل الأقل تكلفة في العالم، إضافة إلى سرعة هذه الخدمة وانتظامها. فالموانئ بوابات التجارة والتنمية, وبهذا فهي من أول المواقع التي تتفاعل على ساحتها أدوات المنافسة التجارية لأي دولة مع العالم الخارجي. ومن المسلمات في صناعة النقل البحري أن نجاح الموانئ لا يعتمد فقط على طاقتها أو تكلفة خدماتها, لكن على مرونتها في التعامل وسرعة استجابتها للمتغيرات الاقتصادية.
ولو أمعنا النظر في أداء الموانئ السعودية اليوم من تلك الزاوية لوجدنا أنها قطعت شوطاً كبيراً في التكيف مع متطلبات السوق والمتغيرات السريعة التي شهدتها صناعة النقل البحري في العقد الماضي. والفضل في ذلك يعود، بعد توفيق الله ـــ سبحانه وتعالى ــــ إلى المرونة والاستثمارات الجديدة التي وفرها برنامج تخصيص خدمات الموانئ, ما شكل نقلة كبيرة في مسيرتها. ولعل من بين أهم المتغيرات التي كان على الموانئ مواكبتها والتكيف معها هو التحول الكبير في أنماط الشحن البحري من الأساليب التقليدية إلى استخدام الحاويات كوسيلة آمنة وفاعلة في نقل البضائع.
ذلك التحول في أنماط الشحن البحري يقتضي، إلى جانب الاستثمار في رافعات ومعدات متخصصة، توظيف مفاهيم وآليات جديدة للتعامل مع الحاويات من بداية تنزيلها من على ظهر السفينة حتى تحميلها على شاحنة التاجر، مروراً بالطبع بخطوات التفتيش والمعاينة الجمركية. وقد تنبهت الجمارك لذلك الجانب المهم في دورة البضائع المستوردة، إذ أدخلت الكثير من الوسائل الحديثة في عملياتها كان آخرها استخدام أجهزة الأشعة في الكشف على محتويات أعداد كبيرة من الحاويات, ما أسهم في رفع كفاية الأداء.
اليوم نتطلع للخطوة الجديدة، أي ''القائمة البيضاء''، التي تصعب المبالغة في الحديث عن أهميتها، لتحقيق نقلة أخرى في المنافذ الجمركية, وبالذات الموانئ البحرية, إذ تستقبل تلك الموانئ في الوقت الراهن نحو 5.3 مليون حاوية سنوياً بما فيها حاويات المسافنة والتصدير. ولنا أن نتخيل مدى المنافع التي ستتحقق فيما لو شملت تلك القائمة المقترحة 70 في المائة فقط من المستوردين, وهو ما يشكله على وجه التقريب حجم تجارة الشركات والمؤسسات التي لها تعامل طويل مع الجمارك بشكل حسن. إذ سيؤدي تفعيل تلك القائمة إلى خفض بالنسبة نفسها تقريبا في أعداد العمالة الوافدة التي تقدر بالآلاف، والتي تستخدم في إخراج البضائع من داخل الحاويات ثم إعادتها. ذلك يعني توفيرا ملموسا في تكاليف المعاينة والحد من التلفيات التي تتعرض لها البضائع ما سينعكس إيجاباً على أسعار السلع وجودتها في السوق. كما أن من مزايا ''القائمة البيضاء''، استخدام أفضل لساحات الموانئ لزيادة حركة البضائع, وبالتالي زيادة إيرادات الخزانة العامة.
وعلى الرغم من أن تلك المنافع السابقة يمكن ترجمتها إلى مبالغ تقدر بمئات الملايين من الريالات سنويا، هناك منفعة أخرى لا تقل عنها في الأهمية, ذلك أن تقديم التسهيلات للملتزمين بفسح حاوياتهم مباشرة اكتفاء بالفحص الظاهري سيمنح مفتشي الجمارك وقتاً أكبر للتدقيق في الواردات التي تستحق المزيد من الرقابة والمتابعة لتحقيق مستوى أعلى من السيطرة والاطمئنان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي