الإنسان الممتاز
(1)
تسكن عقلي ثلاث مدارس أستمد منها البصيرة الفكرية، وهي دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، ومجددو النهضة العربية الإسلامية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ومفكرو عصر النهضة الأوروبية ومنهم الفيلسوف فريدريك نيتشه فيلسوف وشاعر ألماني (1844 م – 1900 م)، كان من أبرز مؤسسي علم النفس الحديث وكان عالم لغويات متميزاً. كتب نصوصاً وكتباً نقدية حول المبادئ الأخلاقية والنفعية والفلسفة المعاصرة، المادية والمثالية الألمانية والرومانسية الألمانية، ونيتشه له كلام نفيس عن الإنسان الممتاز، كونه من أعمدة النزعة الفردية الأدبية في كتابه (هو ذا الإنسان)، وكتابه (هكذا تكلم زرادشت)، أعطى أهمية كبرى للفرد واعتبر المجتمع موجودا ليخدم وينتج أفراداً مميزين وأبطالا وعباقرة، ولكنه ميز بين الشعوب ولم يعطها الأحقية أو المقدرة نفسها، حيث فضل الشعب الألماني على كل شعوب أوروبا، واعتبر الثقافة الفرنسية هي أرقى وأفضل الثقافات، بينما يتمتع الإيطاليون بالجمال والعنف، والروس بالمقدرة والجبروت، وأحط الشعوب الأوروبية في رأيه الإنجليز، حيث الديمقراطية واتساع الحريات الشخصية والانفلات الأخلاقي، ما آثار اشمئزازه، واعتبرها دلائل افتقار البطولة.
كنت قاب قوسين أو أدنى من تسجيلي أطروحة دكتوراه في الفلسفة عن الإنسان الممتاز، والحمد لله أنني لم أفعل، لسببين أولهما: انشغالي بالبحث العلمي لاتجاهات باحثي السياسة في التراث العربي والإسلامي منذ القرن الثالث الهجري وحتى القرن التاسع، ثم وقعت على نص أنفس لشهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي المتوفى عام 850 هـ في كتابه "المُستطرف"، الذي مهما فعلت للبحث والتمحيص في عصر النهضة الأوروبية ليس عند نيتشه فحسب في موضوع الإنسان الممتاز فلم ولن أجد مثله.
(2)
قال: "قال الحكماء: إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، وفقهه في الدين، وعضده باليقين، فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف. وإذا أراد به شراً حبب إليه المال، وبسط منه الآمال، وشغله بدنياه، ووكله إلى هواه، فركب الفساد، وظلم العباد – الثقة بالله أزكى أمل – والتوكل عليه أوفى عمل – لا تغرنك صحة نفسك، وسلامة أمسك، فمدة العمر قليلة، وصحة النفس مستحيلة – من أطاع هواه باع دينه بدنياه – ثمرة العلوم العمل بالمعلوم – من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد – أفضل الناس من لم تفسد الشهوة دينه – خير الناس من أخرج الحرص من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربه، - نصرة الحق شرف، ونصرة الباطل سرف – البخيل حارس نعمته، وخازن لورثته – من لزم الطمع عدم الورع – إذا ذهب الحياء حل البلاء – علم لا ينفع كدواء لا ينجع – من جهل المرء أن يعصي ربه في طاعة هواه، ويهين نفسه في إكرام دنياه – أيام الدهر ثلاثة: يوم مضى لا يعود إليك، ويوم أنت فيه لا يدوم عليك، ويوم مستقبل لا تدري ما حاله ولا تعرف من أهله – من كثر ابتهاجه بالمواهب، اشتد انزعاجه للمصائب – لا تبت على غير وصية وإن كنت من جسمك في صحة، ومن عمرك في فسحة – عظ المسيء بحسن أفعالك – ودل على الجميل بجميل خلالك – إياك وفضول الكلام فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرك من عدوك ما سكن – لا يجد العجول فرحاً، ولا الغضوب سروراً ، ولا الحلول صديقاً – حسن النية من العبادة، حسن الجلوس من السياسة – من زاد في خلقه، نقص في حظه – من ائتمن الزمان خانه – أظهر الناس محبة، أحسنهم لقاء – لا يكمل للإنسان دينه، حتى تكون فيه أربع خصال: يقطع رجاءه مما في أيدي الناس، ويسمع شتم نفسه ويصبر، ويحب للناس ما يحب لنفسه، ويثق بمواعيد الله – إياك والحسد فإنه يفسد الدين، ويضعف اليقين، ويذهب المروءة – قيل لأفلاطون: ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقاً، قال: مدح الإنسان نفسه – أربعة تؤدي إلى أربعة: الصمت إلى السلامة، والبّر إلى الكرامة، والجود إلى السيادة، والشكر إلى الزيادة – من ساء تدبيره أهلكه جده – الغرة ثمرة الجهل – آفة القّوة استضعاف الخصم، - آفة النعم قبح المن – آفة الذنب حسن الظن – الحزم أسد الآراء، والغفلة أضر الأعداء – من قعد عن حيلته أقامته الشدائد، ومن نام عن عدوّه أيقظته المكايد – من قرب السفلة وأطرح ذوي الأحساب والمروءات استحق الخذلان – من عفا تفضل – من كظم غيظه فقد حلم – من حلم فقد صبر – ومن صبر فقد ظفر – من ملك نفسه عند أربع حرمه الله على النار، حين يغضب، وحين يرغب، وحين يرهب، وحين يشتهي – من طلب الدنيا بعمل الآخرة فقد خسرهما، ومن طلب الآخرة بعمل الدنيا فقد ربحهما – كلام المرء بيان فضله وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل – كل امرئ يُعرف بقوله ويُوصف بفعله، فقل سديداً، وافعل حميداً – من عرف شأنه، وحفظ لسانه، وأعرض عما لا يعنيه وكف عن عرض أخيه، دامت سلامته، وقلت ندامته – كن صموتاً وصدوقاً، فالصمت حرز، والصدق عز – من أكثر مقاله سئم، ومن أكثر سؤاله حرم، من استخف بإخوانه خذل، ومن اجترأ على سلطانه قتل – ما عز من أذل جيرانه، ولا سعد من حرم إخوانه – خير النوال ما وصل قبل السؤال – أولى الناس بالنوال أزهدهم في السؤال – من حسن صفاؤه وجب اصطفاؤه – من غاظك بقبيح الشتم منه، فعظه بحسن الحلم عنه – من يبخل بماله على نفسه جاد به على زوج عرسه – إذا اصطنعت المعروف فاستره – وإذا اصطنع إليك فانشره – من جاور الكرام أمن من الإعدام – من طاب أصله زكا فرعه – من أنكر الصنيعة استوجب القطيعة – من منّ بمعروفه سقط شكره، ومن أعجب بعمله حبط أجره – من رضي من نفسه بالإساءة، شهد على أصله بالرداءة، – من رجع في هبته بالغ في خسته – من رقى في درجات الهمم عظم في عيون الأمم – من كبرت همته كثرت قيمته – من ساء خلقه ضاق رزقه – من صدق في مقاله زاد في جماله – من هان عليه المال توجهت إليه الآمال – من جاد بماله جل، ومن جاد بعرضه ذل – خير المال ما أخذ في الحلال وصرف في النوال – شر المال ما أخذ من الحرام وصرف في آثام – أفضل المعروف إغاثة الملهوف – من تمام المروءة أن تنسى الحق لك، وتذكر الحق عليك – وتستكبر الإساءة منك وتستصغرها من غيرك – من أحسن المكارم عفو المقتدر – جود الرجل يحببه إلى أصدقائه، وبخله يبغضه إلى أودّائه – لا تسئ إلى من أحسن إليك، ولا تعن على من أنعم عليك – من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه – من طال تعديه كثرت أعاديه – شر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم – من حفر حفيراً لأخيه كان حتفه فيه – من سل سيف العدوان أغمد في رأسه – من لم يرحم العبرة سلب النعمة، ومن لم يقل العثرة سلب القدرة – لا تحاج من يذهلك خوفه، ويملكك سيفه – صمت تسلم به، خير من نطق تندم عليه – من قال ما لا ينبغي، سمع ما لا يشتهي – جرح الكلام أصعب من جرح الحسام – من سكت عن جاهل فقد أوسعه جواباً، وأوجعه عتاباً – من أمات شهوته أحيا مروءته – من كثرت عوارفه كثرت معارفه – من لم تقبل توبته عظمت خطيئته – إياك والبغي فإنه يصرع الرجال، ويقطع الآجال – الناس في الخير أربعة أقسام: منهم من يفعله ابتداء، ومنهم من يفعله اقتداء، ومنهم من يتركه حرماناً، ومنهم من يتركه استحساناً، فمن فعله ابتداء فهو كريم، ومن فعله اقتداء فهو حكيم، ومن تركه حرماناً فهو شقي، ومن تركه استحساناً فهو دنيء – من سالم سلم، ومن قدم الخير غنم – من لزم الرقاد عدم المراد – ومن دام كسله خاب أمله – العجول مخطئ وإن ملك، والمتأني مصيب وإن هلك – من أمارات الخذلان معاداة الإخوان – استفساد الصديق من عدم التوفيق – الرفق مفتاح الرزق – من نظر في العواقب سلم من النوائب – ومن أسرع في الجواب أخطأ في الصواب – من ركب العجل أدركه الزلل – من ضعفت آراؤه قويت أعداؤه – من قلت فضائله ضعفت وسائله – من فعل ما شاء لقي ما ساء – من كثر اعتباره قل عثاره – من ركب جده غلب ضده – القليل مع التدبير أبقى من الكثير مع التبذير – ظن العاقل أصح من يقين الجاهل.
(3)
لقد ثبت لي بالدليل القاطع شرعاً وعقلاً أن تراثنا العربي كافٍ وأكثر لصناعة حراك ثقافي وفكري، مع فهم معقول لتراث الحضارة الغربية في علم الاجتماع السياسي والاقتصادي وإدارة الأعمال، كما أن إنسان الجزيرة العربية هو الأقدر على فهم ذلك.
أيها السعوديون .. تراثنا الأفضل.