السياسيون والأحزاب في «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل

«مزرعة الحيوان» ANIMAL FARM اسم لرواية خيالية، كتبها البريطاني جورج أورويل، واسمه الحقيقي «إريك آرثر بلير» ونشرت عام 1945م، واشتهرت على مستوى العالم، وأصبحت، فيما بعد، فيلماً سينمائياً. برع الكاتب، في روايته هذه، في شرح أساليب الكثير من السياسيين في الحُكم والبطش والتلون، والانتقال من معسكر إلى آخر معاد، ومن موقف إلى آخر مضاد.. مُبيِّناً كيف تتغير آراؤهم ومواقفهم بتغير مواقعهم، فهم عندما يكونون مع الساخطين يُزايدون ويُغالون في التشنج والسخط ضد الحُكام، ويؤلفون الشعارات الهجومية لإثارة العداء ضد الحاكم العاجز والمستبد بالسلطة، بهدف إقصائه عن السلطة.. أما حين يكونون في صفوف الحُكام فإنهم يرضون ويهدئون، ويسفّهون آراء الساخطين، الذين كانوا يتشيعون لهم فيما سبق، ويحيكون شعارات جديدة تدافع عن الحاكم، ويستميتون في تبرير تقصيرهم تجاهه، وتبرير ما صدر عنهم عندما كانوا في صفوف الساخطين! ليصل أورويل، متأسفاً، إلى أنه لا مفر من المزايدات السياسية، ولا مفر من التهرب السياسي من المسؤولية، ولا مفر من أن يقول السياسيون ما لا يفعلون، مهما كان في ذلك مقت كبير!
إلاّ أن استنتاجات أورويل هذه، جعلها وقفاً على الدول النامية وحدها! إذ يرى أن السياسيين في الدول المتقدمة، يتورعون عن تلك الصفات، فلا يكيلون بمكيالين، ويتورعون عن المزايدة على الحكومة، في أمور يعلمون أنهم لا يستطيعون تحقيقها، إذا تسلموا المناصب.. كذلك، الأحزاب، في الدول المتقدمة، تتورع عن أن تتورط في وعود لا تستطيع تحقيقها.. نعم، هناك مناورات بين الأحزاب، ولكن، لا يمكن لهذه المناورات أن تمس بحقوق المواطن، وسلامة الدولة، أي، لا يمكن لها أن تُغرّر بالمواطن، أو أن تستخف بشأنه، بل تحترم ذكاءه وعقله وتطلعاته..
إذاً، برامج الأحزاب في الدول المتقدمة، موضوعة مسبقاً، ولا يمكن التلاعب بها لمصلحة هذا السياسي أو ذاك، أو مصلحة هذا الحزب أو ذاك، كما يحصل في الدول النامية.. بل لا بد للناخب أن يتعرف على نقاط التلاقي والاختلاف بين الأحزاب، ليحكم، وبكل صدقية، على مدى أحقية كل حزب في التصويت له من عدمه.
ويعطي أورويل مثالاً على الاختلاف بين الدول النامية والدول المتقدمة: فالدول النامية، سياسيوها هواة للمرونة في صياغة الأهداف، ويسعون إلى التعتيم، عملاً بالقول: « إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»، أما في المتقدمة، فالمرونة لدى سياسييها مُحددة في أمور معينة، وفيما عدا ذلك لا بد من الوضوح الصارم.. فمثلاً، ماذا يمكن أن تعني حقوق المرأة، أو سياسة التعليم، أو العلاج، أو المعاش، أو السياسة الصناعية أو التجارية أو الزراعية، في برنامج أي حزب في الدول النامية.. بالمقارنة مع ما تعنيه هذه السياسات في برامج الأحزاب في الدولة المتقدمة؟
إذاً، لا بد لكل دولة أن تكون رؤيتها صادرة عن أوضاعها الحالية، وتنبؤاتها المستقبلية، فالمسألة ليست مسألة شعارات وندوات ومجاراة للواقع الحالي، فالصدفة مرفوضة هنا! إذ إن المواطن لا بد له من معرفة ما يدور في الدولة من هياكل الصادرات والواردات، وتوليفة الصناعات، وأن يعرف أسباب المفاضلة أو التنافس أو التكافل أو التضافر بين الصور المختلفة للمجتمع، وأين هي السياسات التي يمكن أن تؤدي إلى هذه الصورة أو تلك، لا أن يُتحدَّث عن كل ذلك وكأنه شيء ملموس وهو في عالم التخمينات!
ويصل أورويل، إلى أن الأحزاب في الدول النامية، لا تزال تكتفي بإطلاق الشعارات التي كانت كافية في الماضي لدحر الاستعمار الاحتلالي، ولكنها الآن تقترف إثماً كبيراً في حق شعوبها في عصر الاستعمار عن بُعد!
فالعمل الحزبي، برأي أورويل، لم يعد يعتمد فقط على الصياح أو العويل، بل لا بد من رؤية متكاملة لما يمكن أن يصنعه حزب معارض، إذا ما أتاه الحكم بغتة، في السياسة الداخلية وفي العلاقات الخارجية.. فلم يعد يجدي مجرد المزايدة السياسية التعجيزية من جانب إلى آخر، بل يجب أن تتضح للجماهير صور الاختلاف بين هذه الأحزاب، ليس في الشعارات والمبادئ البراقة، وكلها براقة، ولكن في السياسات العملية اللازمة لمواجهة الأوضاع الداخلية والأوضاع الدولية.. وبذلك يمكن وضع كل حزب في موضعه، شموخاً أو تواضعاً، فيكون التأييد واعياً وعن اختيار، وليس عن إحباط أو إكراه، وبذلك يتدرب الناس على المشاركة في تحمل المسؤولية عن وعي وصدق وإيمان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي