هل يوقظ ميدان التحرير أشباح تيانامن؟
من المتوقع أن تتحرك الصين التي ظلت مهووسة بالاستقرار السياسي منذ أن أمرت جيشها بسحق احتجاج سلمي في بكين قبل 22 عاماً، نحو تطبيق إجراءات قمعية ضد الشعب في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري، حسني مبارك، بعد 18 يوماً من الاحتجاجات.
استمرت الانتفاضة في ساحة تيانامن، وفي أنحاء الصين الأخرى، في عام 1989 لمدة سبعة أسابيع، بينما رفضت الحكومة الصينية القبول بمطالب زعماء الطلبة، وأنهت احتجاجهم بهجوم عسكري شهد مئات، إن لم يكن آلاف القتلى، ومطاردة استمرت سنوات عدة لأولئك الذين شاركوا في تلك الاحتجاجات. ولا يسمح، حتى في أيامنا هذه، بعودة أولئك الذين استطاعوا الخروج من البلاد، حيث ينتظرهم السجن. وطبيعي أن المحتجين العرب استطاعوا استخدام تكنولوجيا مواقع شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، ومن خلال ''تويتر''، و''فيسبوك'' التي لم يكن المحتجون في الصين يحلمون بوجودها في عام 1989.
غير أن الحكومة الصينية استطاعت كذلك أن تطور خبرة تقنية، وأظهرت أن بإمكانها السيطرة على الإنترنت إذا لزم الأمر، وكذلك إغلاقها كما حدث لمدة عشرة أشهر في إقليم تسينجيانج بعد الاحتجاجات في تموز (يوليو) من عام 2009. وكانت الحكومة الصينية حريصة طوال فترة الاحتجاجات في مصر على السيطرة على المعلومات المتاحة لأفراد الجمهور. وجرى كذلك منع التقارير المستقلة، وتم إخبار وسائل الإعلام بألا تستعمل في تقاريرها سوى الأخبار الرسمية من خلال وكالة الأنباء الصينية، شينخوا. ولم تؤكد هذه الوكالة في تغطيتها على التطلعات الديمقراطية للمحتجين، وإنما ظلت تحذر من تعرض البلاد للفوضى.
من المفارقات الساخرة أن الولايات المتحدة التي رحبت برحيل مبارك، لديها ما تخسره من عدم الاستقرار في مصر بما يتجاوز ما لدى الصين بكثير. ويذكر هنا أن مصر أصبحت من أهم شركاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك في محاولات واشنطن الخاصة بالتوصل إلى حل سلمي بين العرب والإسرائيليين. غير أن الولايات المتحدة رأت أن تأييد المطالب الديمقراطية كان هو الإجراء الصحيح، حتى على حساب القبول بدرجة من عدم الاستقرار.
كانت الصين التي لها علاقات جيدة مع مصر كذلك، تفضل بقاء الرئيس حسني مبارك، حيث إنها كانت تربط مصالحها بمصالح الرئيس الذي أطاحت به المظاهرات الشعبية التي أصر المشاركون فيها على استقالته.
في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة، وبلدان أخرى تطالب مبارك بأن يسمع صوت شعبه، وبأن يرحل من أجل مصلحة بلاده، عبر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية عن حرص الصين، ودعمها لجهود مصر في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي واستعادة النظام العام''. وأصر كذلك على أن ''شؤون مصر يجب أن تقررها مصر بصورة مستقلة دون تدخل من أي جهة خارجية''.
أما بعد رحيل مبارك، فقد أكد الناطق الرسمي الصيني الاستعادة المبكرة ''للاستقرار الوطني، والنظام الاجتماعي''، دون أن يأتي على أي ذلك لرغبة الشعب المصري في تحقيق الديمقراطية. وكتب دنج جانج، المحرر الرئيس في صحيفة ''الشعب اليومية'' الرسمية مقالاً افتتاحياً أورد فيه أنه بينما ركزت وسائل الإعلام الغربية على الديمقراطية، والانتخابات الحرة، فإن مشكلة البلاد الرئيسة كانت الاقتصاد وأن ''المؤيدين الغربيين للمتظاهرين المصريين لا يستطيعون توفير الوظائف للمصريين، والتونسيين''. واستنتج الكاتب في نهاية مقاله ''أنه إذا أقام المصريون، والتونسيون، نظاماً ديمقراطياً، دون الحصول على مزيد من مهارات العمل، والتنافسية، فإنني أخشى من أنه لا يستطيع أحد أن يخمن ما الذي يمكن أن تكون عليه النتيجة''.
ليس بالضرورة أن هذه التعليقات سيئة التوجيه، أو مضللة، حيث إن من المؤكد أن للاقتصاد أهميته. ولكن الديمقراطية ليست السبب في التخلف الاقتصادي للبلاد، كما يحاول أن يقوله كثير من المعلقين الصينيين. وعشية رحيل مبارك، أكدت برقية إخبارية من جانب وكالة شنخوا على الدور ''الحاسم للجيش. كما نقلت عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية قوله في بيان له إنه سيدرس'' كل الأمور، والإجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية البلاد، وتطلعات الشعب المصري''. غير أن مثل هذا الموقف المستقل للجيش أمر لا يمكن تخيله في الصين، حيث يتبع جيش التحرير الصيني للحزب الشيوعي، ولا يعد جزءًا من الحكومة.
إن الأحداث الأخيرة في مصر تعني أنه لا يتوقع من الزعماء الصينيين تلبية مطالب المزيد من تطبيع الشؤون اليومية في البلاد بجعل الجيش جزءًا من الحكومة، بدلاً من أن يظل من مكونات الحزب الشيوعي.
بعد 61 عاماً من الحكم، يبدو أن الحزب الشيوعي ما زال يشعر بعدم الأمان، وأنه لا يزال غير واثق بالشعب الصيني، ولذلك فإنه مُصِرٌّ على الإبقاء على قبضته الحديدية على القوات المسلحة من أجل إخافة شعبه.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OpinionAsia