العلم.. التخطيط .. التربية... أسس النجاح في كرة القدم
امتداداً لكل الجهود المبذولة للرقي والتطوير الشامل لكرة القدم العربية والتي يجب أن نسلك من أجلها كل الطرق التي تقودنا إلى تحقيق أهدافنا، وأولها الطرق العلمية في وضع برامجنا لهذا الرقي والتطوير وتطويعها حسب المعطيات والظروف المحيطة بنا. والتطوير يشمل منظومة كرة القدم كلها، ولكننا هنا نبدأ باللاعبين بحكم أنهم الوسائل الفعالة في تنفيذ هذا التطور وعكسه عبر تحقيق إنجازات محلية وقارية ودولية. ومن هذا المنطلق يجب أن نقول بأن الأسس الحقيقية يجب أن تبنى على: العلم ـــ التخطيط ـــ والتربية (الفكرية ـــ الرياضية) حتى نبني لاعباً متكاملاً في سلوكياته وتأهيله العلمي والفني والبدني ليتمكن من تحقيق النجاح المنشود. ويجب أن نعلم أن ممارسة لعب كرة القدم هي المعنى الإنساني الكامن وراء الممارسة الرياضية الحقيقية، واللعب ليس لقضاء الوقت، بل أصبح وسيلة تجمع لديها خبرات اجتماعية وتربوية تظهر عناصر مهمة لتخرج لنا فرداً يتمتع بالنضوج الفكري والاستعداد البدني والفني مما يحقق الشمول والتكامل في شخصيته الرياضية.
#2#
وحتى نسلك الطريق القويم، علينا أن نتعرف على كل من هذه الوسائل على حدة، فتعريف العِلم في اللّغة العربية له معان عديدة ومصادر مختلفة، فالعِلم كمرادف للمعرفة أي إدراك الشيء بحقيقته ومعرفته. فيقال "فلان على عِلْمٍ بالأمر أي يَعرفُه". وتنسب المعرفة عادةً، في بعض السياقات، للإدراك الجزئي أو البسيط لا للمفاهيم الكّلية. والمعرفة الرياضية كما عرفت بأنها الخبرة والمهارات التي يمكن للشخص أن يكتسبها من خلال الخبرة والتعليم والفهم العملي والنظري لمبادئ الرياضة عامة وكرة القدم بصفة خاصة، وما يمكن معرفته في مجال الأنظمة والقوانين واللوائح المنظمة لكرة القدم والنمو المعرفي الذي يشكل تعليم الحقائق والمفاهيم والمعلومات والمعارف من أنظمة وقانون وتاريخ تطور اللعبة إلى جانب النمو الاجتماعي والتي تعلمه
الاتجاهات الاجتماعية والعادات والتقاليد والقيم والتعاون وتحمل المسؤولية الفردية والجماعية بروح قيادية ديمقراطية، كما عليه تعلم المهارة الحركية واكتساب الصفات البدنية الخاصة بكرة القدم، مع ضبط النفس والتحكم في الانفعالات أو بما يسمى الثبات الانفعالي.
والعِلم بتعريفه الحديث يطلق على طريقة التفكير العلمية (مشاهدة، فرضية، تجربة، صياغة)، والمنظومة الفكرية التي تنتج عنها تشتمل على مجموعة الفرضيات والنظريات والقوانين والاكتشافات المتسقة والمتناسقة التي تصف الطبيعة وتسعى لبلوغ حقيقة الأشياء لأن العلم هو المادة المعرفية. والقدرة على توظيف العلم في المجال الرياضي سيكون له مردود فعال في بناء العقل السليم لدى اللاعب لأن العقل غريزة شائعة في الجسد والإنسان داخله في صراع مع الغرائز، ولا تدير الإنسان بمفردها بل يفكر الإنسان ويتصرف بوحي من توازن يقوم بين غرائزه التي يمثل العقل جزءاً منها وبذلك تكتمل لدى اللاعب تلك الغرائز التي تبنى بدورها المهارات الفنية والبدنية التي تسهم في بناء شخصيته وتزرع الثقة في نفسه مما يزيد عطائه.
ويجب معرفة كرة القدم وأسرارها وخباياها وذلك بدراسة التجارب السابقة في مجال كرة القدم على مستوى الاتحادات والأندية، واستخلاص الفوائد من هذه الدراسات، ولكن أجمل ما في كرة القدم هو أنها تمنحك الفرصة للإبداع والابتكار والتطوير الذاتي. على القائمين على أمر كرة القدم العربية عدم التقيد بما هو موجود فعلاً. عليهم دراسة هذا الموجود وتطويعه للظروف التي يعيشونها خاصة فيما يتعلق بتنظيم المنافسات الداخلية، يجب أن نبتكر منافسات تعود على لاعبينا بالفائدة، وبالتالي سينعكس ذلك على منتخباتنا، أما الخوض في عدد كبير من المنافسات مما يشكل نوعاً من الإرهاق للاعبين نجد أنفسنا في ظروف لن نحسد عليها وهي حينما تحين المنافسات القارية أو الدولية نجد لاعبينا في قمة الإرهاق البدني والنفسي من جراء هذه المنافسات أو لعدم الاستعداد الكامل والجاهزية البدنية والنفسية نتيجة لتوقف المنافسات. لذلك يجب وضع برنامج المنافسات المحلية وفق المنافسات القارية والدولية ومراعاة كل ذلك.
ثم يأتي دور المدربين الذين يجب أن يعرفوا أن مهنة التدريب تعد من المهن الصعبة للغاية، والتي يجب أن يتمتع أصحابها بمميزات شخصية ونفسية تؤهلهم لقيادة فرقهم ولاعبيهم، وتمكنهم من التعامل مع إدارات الأندية والجماهير، وتحمل الضغوط النفسية التي يتعرضون لها، مما يتيح لهم فرصة اتخاذ قرارات صائبة ودقيقة. وإن عدم تمتعهم بمواصفات إيجابية قد تعرضهم إلى ضغوط نفسية قد تنعكس سلباً على أداء عملهم، ولذلك عليهم معرفة إمكانات اللاعبين لديهم إن كانوا في النادي أو المنتخب، ووضع البرامج والخطط وطرق اللعب بناءً على تلك الإمكانات، ووفقاً لكفاءة اللاعب البدنية، والمهارية، والخططية، والفكرية، واستعداد اللاعب، ودرجة الدافعية، ومستوى الإرادة لديه، وتنمية إمكانات اللاعب وقدراته على ربط وتطبيق الأداء المهاري، والاستفادة من إمكاناته البدنية والحركية والقدرات العقلية واستعداداته النفسية تحت ظروف ومتطلبات الأداء أثناء المباراة وظروفها المختلفة، وإمكانية تنمية القدرات العقلية للاعبين لمساعدتهم على التفكير السليم والتصرف المناسب أثناء المباراة لإكسابهم المعارف والمعلومات النظرية والتطبيقية، مثل قواعد وقوانين اللعب، والنواحي الصحية والخصائص البشرية، بجانب النواحي الفنية والخططية الخاصة بكرة القدم. كل هذه المعارف تنير للمدرب الطريق وإلا فستحدث فجوة بين فارق الإمكانات والمطلوب تنفيذه وهذا ما نعانيه فعلاً في عالمنا العربي.
وواحدة من أهم الأشياء التي يركز عليها العلم في تنفيذ المشاريع الرياضية، ونقصد هنا بالمشاريع الرياضية كل المشاريع في البنيات التحتية، أو إعداد اللاعبين المحترفين، أو تأهيل اللاعبين الناشئين، وغيرها من الأعمال التي نقوم بها ونسعى لتحقيق النجاح والتقدم فيها، هو التخطيط. ودون تخطيط يعتبر العمل عشوائيا، ولن يحقق النجاح الذي نسعى من أجله. ولذلك ما زالت كرتنا العربية متأخرة، ولم تحقق الظهور والنجاح المتوقع على الرغم من الأموال الطائلة التي تصرف عليها. وحتى نرى أهمية التخطيط ومفعوله السحري في ترتيب الأوراق وضبط الأمور، علينا أن نتعرف على التخطيط.
والتخطيط هو التقرير سلفاً بما يجب عمله لتحقيق هدف معين، وهو عمل يسبق التنفيذ، ولهذا فهو يكتسب هذه الأهمية لأنه يحدد ويوضح أهداف النادي أو إدارة المنتخب، ويجنب المفاجآت التي تحدث غالباً من التطبيق غير المخطط له، ويقلل من اتخاذ الإجراءات والقرارات الفردية والعشوائية، ويضمن بذلك الاستخدام الأمثل لكل الإمكانات المتوافرة. كما أنه يعتبر الأساس المتين لقياس درجات النجاح في تطبيق الخطط وفقاً للاستراتيجيات والأهداف والسياسات والإجراءات والبرامج والموازنات والموارد المالية الموضوعة، وبناء على عناصر المشاركة وقوة المنافسة، إن كانت منافسة محلية، أو قارية، أو دولية. على أنه يجب الاستفادة من الدراسات السيكولوجية والتغيير الثقافي الناتج عن التطور العلمي والتكنولوجي ونتائج البحوث.
وبالطبع يمر التخطيط عبر مراحل مختلفة، يفضل أن نبدأ بدراسة الإمكانات البشرية والمادية والعوامل المحيطة بذلك مثل الظروف البيئية الداخلية، وتحديد أعمار وإمكانات اللاعبين، وخبراتهم، وقياس مواهبهم، وتحديد درجات كفاءاتهم، واحتياجاتهم المادية، والفنية، والنفسية، كما يجب أن يكون برنامج التخطيط صادقاً. ودلالات صدق البرنامج تتمثل في صحة وحدات المعلومات التي يحتويها من الناحية العلمية وملاءمتها للواقع الاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه اللاعب، متوازناً في شموله وعمقه، ومتمشياً مع ميول وحاجات اللاعبين وإمكانات الأندية أو الدول. ولكي ينجح هذا يجب أن يكون انعكاساً لعدد من الاعتبارات الفكرية والاجتماعية والثقافية والتربوية.
وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نحدد أهدافنا بشكل واضح بناءً على المعطيات ثم نحدد البدائل التي من خلالها تستطيع تحقيق هذا الهدف وبعد وضع عدد البدائل التي نسعى من خلالها إلى تحقيق الهدف، نبدأ بتقييم كل بديل من خلال معرفة وتحديد مدى تحقيق كل بديل للهدف. وكلما كان البديل أقرب إلى تحقيق الهدف النهائي، كان مرغوباً فيه أكثر، أي أننا هنا نحاول تحديد مدى تحقيق كل بديل للهدف، ثم نحدد بعد ذلك الأنشطة، وأن نضع السياسات والقواعد والبرامج والميزانيات لتنفيذ الإجراءات اللازمة للنهوض بمستوى هؤلاء اللاعبين أو البحث عن لاعبين آخرين أو ما نصل إليه من خلال دراساتنا. ويجب الالتزام بما نقرره، حيث دونها لا يمكن ضمان حسن التنفيذ.
ويجب ألا نغفل أموراً مهمة حينما نضع تخطيطنا، فهناك تخطيط قصير المدى وهو التخطيط الذي يغطي فترة زمنية لا تقل عن السنة، والتخطيط متوسط المدى وهو التخطيط الذي يغطي فترة زمنية ليست بطويلة وليست بقصيرة.. ويغطي في الغالب فترة تزيد على سنة وتقل عن خمس سنوات، ثم التخطيط طويل المدى وهو الذي يغطي فترة زمنية طويلة. ويمكن القول نسبياً إن الفترة خمس سنوات فما فوق هي فترة تخطيط طويل المدى، على أن يتم التخطيط المالي لإنجاز هذه المدة لتوفير الاحتياجات والمعدات الخاصة بالتدريب والتأهيل، على أن نراعي في ذلك أن يكون التخطيط استراتيجيا، حيث يحدث التغيير النوعي وأن يكون له التأثير الفعال لتحقيق الأهداف المرجوة، وحتى نجعل من التخطيط تخطيطاً فعالاً إلى حد كبير أهمية دور التخطيط الاستراتيجي في توجيه وتنظيم والمساعدة على تطوير الفكر الإداري وتوسيع قاعدة الممارسين لنشاط كرة القدم داخل الأندية، يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية والبرامج إكساب اللاعب المهارات والعادات الجيدة التي تجعله لاعباً مميزاً يرتاد آفاق العالمية وذلك عن طريق:
ــــ بناء الجسم والعقل بناء متوازناً على الأسس والمفاهيم الرياضية الصحيحة والتمتع بالأخلاق الفاضلة.
ــــ تربية النوازع الخيّرة عند الفرد، وغرس روح التعاون والإيثار والتضحية والعطاء.
ــــ تنمية القدرات والمواهب وتحريك الطاقات واستثمارها فيما يعود بالمصلحة على اللاعب وفريقه أو منتخب بلاده.
ــــ تحويل ما تلقاه الطالب من علوم ومعارف وتدريبات إلى سلوك إيجابي يمارس داخل الملعب وخارجه.
ــــ إشعار اللاعب بمسؤوليته نحو أسرته ومجتمعه ووطنه.
ويعد التخطيط هو أول الخطوات للقيام بأي نشاط وهو تحليل بيانات عن الماضي، والتعامل وفق الأحداث في الحاضر، ورسم الصورة الكاملة لما سيكون عليه العمل في المستقبل. ويرتبط التخطيط بما هو متاح من زمن، ويرى البعض أنه عبارة عن عملية التفكير التي تسبق اتخاذ القرار.
ولابد لتنفيذ أي خطة عمل أو استراتيجية حسب التخطيط العام والإحصاءات والبيانات المعتمدة أن تجد الالتزام الكامل، واتباع إجراءات واضحة ومحددة في مدة زمنية لها بداية ونهاية، والشمول والتدرج في تنفيذ هذه الخطط وصياغة الإجراءات وتحديد المهام المنوطة باللجان الإدارية والفنية وتحديد واجبات كل فرد في المنظومة حسب نوعية الأهداف المتفق عليها، مع إمكانية التنبؤ بالمشكلات المستقبلية التي تعترض التنفيذ ووضع الحلول المناسبة لها، على أن يتم استغلال كل الإمكانات المتوافرة وبمشاركة جماعية، مع مراعاة التوازن لمصلحة جميع الإطراف. ويدرك العاملون في مجال التخطيط في المجال الرياضة من خلال تناولهم لتطبيق بعض الخطط والبرامج المعتمدة لهم، أن هناك الكثير من المشكلات التي تعترض التطبيق العملي المناسب لهذه الخطط والبرامج، لذلك يحتاج هذا الوضع إلى تحليل علمي مناسب يتناول كل المفردات بشمول ولا يترك أياً منها دون بحث وتحليل، معتمداً على البحث، والنقض، والتحليل، والتأمل في القيم والمعاني والخبرات والمهارات التي يجب أن تصوغها الأهداف ويشتمل عليها المحتوى، لأن مثل هذا التناول والحل الأمثل المؤدي إلى التطور الإيجابي في البرامج والخطط وتقليل المساحة بين النظرية والتطبيق.
ثم تأتي المرحلة المهمة جداً في مراحل التخطيط وهي التخطيط الفني، والتي تعتمد على البرنامج الفني الذي يضعه الجهاز الفني، وهذا البرنامج يمثل دافعاً قوياً لنجاح العمل على أن تبنى الخطة على أسس مدروسة، وعلى بيانات ومعلومات سليمة، وليس على أساس التخمين والافتراض، وأن تكون الخطة واضحة وموضحة لدور كل لاعب أو فني أو إداري وواجباته في كل مستويات العمل، وأن تكون العلاقة بين هذه المستويات واضحة وتلتقي في اتجاه تحقيق الهدف بتناسق وتكامل. يتم كل ذلك بعد مرحلة الإعداد ودراسة كل ما يتعلق بالخطة الفنية الموضوعة وإقرار الخطة من الجهات الإدارية للعمل والجهات المسؤولة عن تنفيذ البرنامج ورصد البيانات والإحصاءات وعمل جداول متابعة التطور الفني والبدني للاعب، ثم تتم مرحلة الإعداد لوسائل المتابعة والتقييم الفني وتزويد الجهات الإدارية بتقارير وافية أسبوعية وشهرية ودورية حتى تقوم بدورها بالمتابعة والمراقبة وتقييم الخطة ومراحل العمل فيها.
يجب أن يكون التخطيط مرناً ويتقبل الاستجابة لأي متغيرات، وأن يتمتع بالواقعية فلا يبالغ في التقديرات، ولا يزيد على الحد المعقول، وأن يكون واضحاً ويشمل كل الجوانب ووفق الفترات الزمنية إن كانت قصيرة، أو متوسطة، أو طويلة المدى.
ثم تأتي المرحلة الأكثر أهمية وهي دخولنا في عالم الاحتراف الذي يفرض علينا التعامل فيما يخص التخطيط لتسويق اللاعبين المحترفين، ويركز على كل المواضيع المتعلقة بالتسويق والترويج، والتعامل مع عقود المحترفين حسب مدة انتهاء هذه العقود.
ثم ننتقل إلى جانب آخر مهم وضروري وهو التربية الرياضية والفكرية والأخلاقية للاعب كرة القدم، وكما هو معلوم لدى الجميع أن التربية الرياضية تهتم بتنمية الطاقة الجسدية واكتساب مهارة وتعويد اللاعب الصبر، والمبادرة، والتضامن، والمنافسة، إلى جانب تربية اللاعب تربية متكاملة متزنة في جميع النواحي الفنية والجسمية، والعقلية، والاجتماعية. وقد حدد علماء القرن التاسع الميلادي في مجال التربية الاجتماعية مبادئ خمسة سمّوها بديهيات أو مسلمات، رأوا أنها المرتكز في مجال عملية ضبط الفرد في قلب فئته الاجتماعية، وضبط الفئة في قلب الجماعة، وضبط الجماعة في قلب الأمة، إنها الحقوق الخمس: حق النفس، وحق العقل، وحق الدين، وحق العرض، وحق المال. والواضح أنه وإن كانت هذه الحقوق للأفراد في فئاتهم ومجتمعاتهم، فإن مجتمعهم هو مجال ممارستها، حيث لا يمكن تصور هذه الحقوق إلا في إطار الجماعة. هكذا يجب أن تكون التربية في الأندية والمدارس والملاعب، لتقوم بالتنشئة الفكرية المبنية على الفهم لهذه الحقوق ومفردات العمل الجماعي، والتي تسمى روح الفريق الواحد والمجتمع الرياضي. هنا يشكل للاعب مجتمعه المصغر الذي يعيش فيه, ويقضي أغلب أوقاته بين أفراده، حيث إن الفكر التربوي للاعبي كرة القدم يحظى باهتمام بالغ، كونه المنطلق الأساسي لتكريس قيم الأصالة في اللاعب، والمرتكز الأهم في بناء مستقبل يحقق استثمارا أمثل لمعطيات الحاضر، مجسداً من خلال ذلك تطلعات اللاعب والمنتخبات والأندية على حد سواء، في إطار مشروع حضاري رياضي متكامل.
عن طريق ممارسة نشاطات كرة القدم بصورة احترافية وهي تهدف في المقام الأول إلى تحقيق الأمجاد الرياضية للشعوب عبر تنمية المهارات الفردية والبدنية النافعة لحياة اللاعب، مثل تنمية الكفاية البدنية وترفيه النمو الانفعالي نتيجة لتأقلم اللاعب مع الجانب الذي يعيش فيه، واكتساب الفرد الصفات الاجتماعية النافعة، حيث إنه يكتسبها من خلال منافسات كرة القدم والفوائد الجسمية الذي يكتسبها الجسم، كتقوية العظام والعضلات، والمحافظة على مرونة الجسم، إذ لابد من التكامل بين الجانب المعرفي والنشاط الرياضي من أجل تحقيق التوازن في بناء شخصية اللاعب وتأهيله علمياً وبدنياً ونفسياً واجتماعياً. اللاعب هو المحور الذي تعتمد عليه كرة القدم في تحقيق الإنجازات فتوضع له البرامج المؤهلة من أجل إعداده ليكون لاعباً متمكناً قادراً على القيام بدوره في البناء الفكري لترجمة مفاهيم ومبادئ الرياضة عامة وكرة القدم بصفة خاصة، لأن أهم أهداف التخطيط في المجال الرياضي تركز في مجملها على تنمية شخصية اللاعب من الناحية الفكرية والأخلاقية، وتنمية مواهبه وقدراته، وتأهيله تأهيلا فنياً وعلمياً، مما يجعله مفيداً في عملية التطوير والرقي ولتحقيق هذه الأهداف.
فالتربية الحديثة توجب على الحاجة الماسة إلى التخلق بالأخلاق الفاضلة، وعليه تقع مسؤولية تكوين العادات الخلقية الحسنة في اللاعبين من الاعتماد على النفس، والمثابرة على العمل، ومراعاة العدالة في كل أمر، والتعود على الصدق في القول والعمل، والوفاء بالوعد، والإخلاص في العمل وأداء الواجب، والتعاون مع المجموعة والمحافظة على الوقت، وفي تهذيب الأخلاق وإحياء الضمير وتربية الحواس وتقوية الإرادة، وتوجيه الغرائز على الطريق الصالح، والتعويد على فعل الخير، واجتناب الشر. ولتربية لاعب كرة القدم خلقيا يجب أن يعرف المدرب طبيعة العقل ونفسيته وغرائزه وميوله، ويكون له المثل الأعلى للأخلاق كي تثمر العِظة ويكون قدوة حسنة للاعبين. وينبغي أن تبدأ التربية الخلقية في المنزل أولاً، وفي المدرسة ثانيا، ثم النادي أو المنتخب ثالثاً، وأخيراً المجتمع، ولكي تبنى على أساس متين من الأخلاق. ولا يكفي أن تقوم المدرسة بهذا النوع من التربية منفردة، بل يجب تتعاون كل هذه العوامل: المنزل والمدرسة والنادي والمجتمع معًا في سبيل تربية اللاعب التربية الكاملة والتي يشعر معها بأنّ الأخلاق هي عماد التربية، وأنّ الغرض من الحياة هو الأخلاق، كما يجب عليهم جميعاً مراعاة البيئة التي يعيش فيها اللاعب خارج نطاق المنزل والمدرسة والنادي والأصدقاء الذين يعاشرهم، لأن أثر الأصدقاء يكون كبيرا في تكوين الأخلاق، فالبيئة الحسنة تنهض باللاعب خلقيا بإشراكه فيها، والبيئة القبيحة تضرّ اللاعب خلقياً ضرراً بليغاً. لذلك يجب على المدربين التفكير في البيئة التي يتصل بها اللاعب خارج المنزل والمدرسة، وأن يتم التنسيق بين هذه الجهات بصورة منظمة ومرتبة تتابع كل جهة منهم الجهة الأخرى متابعة دقيقة. ويتم تبادل التقارير حول جنوح وسلوك اللاعب، ولا بد من اتخاذ جميع التدابير حول هذا الأمر، حيث لا تصبح هذه الجهات جهات رقابية بل هي جهات توجيهية تتكامل في تربية اللاعب التربية الصحيحة، وتبث فيه أنواع الثقافات وخاصة الرياضية التي يحتاجها. وكل يضطلع بدور خاص به في هذه المهمة، وهذا ما نسميه التربية الأخلاقية. وهناك علاقة تكامل بين التربية الأخلاقية والتربية البدنية، لأن التربية البدنية وهي جزء متكامل من التربية العامة وتقوم بتربية الشخص عن طريق النشاط الحركي أو البدني أو عن طريق اللعب، وتهدف إلى تكوين الشخص من الناحية البدنية والعقلية والاجتماعية، ولكن عن طريق استغلال ميل الأفراد للحركة والنشاط البدني، فيمكن أن يتعلم الشخص الطاعة والتعاون عن طريق أنظمة وقوانين ولوائح كرة القدم. ولهذا يمكن أن نقول إن التربية الرياضية ما هي إلا مظهر من مظاهر التربية وتهدف إلى ما تهدف إليه التربية العامة من حيث تكوين الأفراد، وتوجيههم وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم وصالح المجتمع الذي يعيشون فيه، خاصة أن التربية الرياضية التي تتمتع في عصرنا هذا بظروف فريدة وتتوافر لديها من الإمكانات والتي بدورها تجعلها مساهمة في تطوير نوعية حياة اللاعب، كما تتميز بديناميكية مستقبلية مقارنة بالمجالات الإنسانية الأخرى وتلعب الدور الأساسي في نقل الثقافة باعتبارها أحد أشكال التربية. وتقوم بنقل الثقافة والتراث الثقافي المتصل بالحركة والنشاط البدني وممارسة الأنشطة الرياضية وخاصة كرة القدم تلك الساحرة المستديرة والترويح البدني والتمرينات التأهيلية والإعدادية للمنافسات التي تشكل في هذا العصر بطولات للشعوب.
وكانت المدرسة في كثير من العصور الوسطى في الغرب والشرق تعنى عناية فائقة بالنضج العقلي على حساب بقية أنواع النضج، ثم ظهرت الفلسفات التربوية التي تدعو للاهتمام بأنواع النضج الأخرى، فكانت الدعوة بالنضوج البدني هي المحور الذي دارت عليه فلسفة التربية الرياضية في مطلع القرن الـ 20، ولكن الإنسان يعتبر وحدة لا يمكن تقسيمه إلى عقل ونفس وبدن ثم تربطه بالناس علاقات اجتماعية. لذلك تطورت فلسفة التربية الرياضية من مجرد وسيلة مساعدة على النضوج الكامل للإنسان في عقله، وفي نفسه، وفي علاقاته، مع أنها تدور حول بدنه. وهكذا أصبحت التربية الرياضية جزءاً مهما في نطاق عملية التربية، ولعل السر في ذلك راجع إلى أن الأطفال يقبلون على التربية الرياضية إقبالا تلقائياً وبشغف ظاهر. فدرس التربية الرياضية يوفر عدة مجالات يمكن أن يتحقق فيها توجيه الطلاب نحو إتمام عمليات نموهم بنجاح مما يشكل النضوج الكامل للاعب كرة القدم وهو نضج عقلي، ونضج اجتماعي، ونضج نفسي، ونضج بدني.
لقد دخل العرب في معترك كرة القدم منذ عام 1934 أي في أول نهائيات لكأس العالم والتي مثلنا فيها المنتخب المصري، وهذا شرف كبير لنا كعرب ولكن ربما يطرأ سؤال محير فعلاً كيف ونحن نمارس كرة القدم منذ عام 1934 لم نحقق أي نجاح في هذا المجال؟ وحينما أقول نجاح حسب المقاييس العالمية لهذا الأمر وهو حصولنا على كأس العالم لأن أي فوز غير الفوز بكأس العالم لا يرفع مؤشر الإنجاز لدى أي دولة أخرى مع احترامي للإنجازات القارية. وهي بلا شك تعطينا الأمل بأننا ربما في يوم من الأيام نصل إلى هذا الهدف. والسؤال الثاني المهم وهو متى وكيف نستطيع أن نحقق هذا الهدف؟.
وكما ذكرت في هذا المقال فإن العلم والتخطيط والتربية هي الوسائل الفعالة التي يمكن أن تختصر الطريق نحو تحقيق عدة أهداف وليس هدفاً واحداً، فبحمد الله لدينا كل الإمكانات المادية والبشرية، ولكن يجب أن نكون على قناعة بأن التميز في عالمنا هذا يأتي بالمفهوم الصحيح لطبيعة المرحلة ومتطلبات الأداء وإيجاد العناصر المتميزة لتطبيق البرامج وفق الأسس العلمية المتطابقة مع الواقع وحسب التخطيط المرحلي والذي يحدد مسار برامج التطوير وترقية الأداء. وبما أن اللاعب هو العنصر المهم في هذه المنظومة فيجب أن تتم تربيته وفق هذه الأسس العلمية، وبتخطيط فعال يختصر الوقت والطريق من أجل تحقيق الإنجاز المطلوب، وهذا ليس ببعيد ولا هو مستحيل، ولكن بالإصرار والعزيمة والصبر بعيدًا عن العشوائية ومرض الانفراد بالرأي من أجل تحقيق البطولات الشخصية. وأهم من هذا وذاك إيماننا بقدراتنا الذاتية وثقتنا في الله وفي أنفسنا بتحقيق النجاح والنجاح يعني كفاح الشخصية الإنسانية وتعاملها الفعال مع معطيات الزمان والمكان في ضوء الإمكانات والقدرات المتاحة. يجب أن نواجه أنفسنا وألا نتعالى على العلم.. يجب أن نؤمن بأن هذا الطريق هو الطريق السليم والقصير الذي يحقق طموحنا. وعلينا في كل ذلك أن نتذكر أطفالنا الذين يحلمون برفع أعلام بلادهم وهم ويهتفون لمنتخباتهم التي تحقق النصر في البطولات الدولية، وأن نرى على قمصانهم صور علي وأحمد ومحمد بدلاً من رونالدينو ورونالدو وكاكا.