لا تتجاهلوا الإعلام الجديد
في الأحداث التي وقعت في تونس وتقع حالياً في مصر، ركز كثيرٌ من المحللين على الإشارة إلى أن هذه التحركات، تحركات شباب عفوية، لا يوجد لها قيادة ولا توجيه، ودللوا على ذلك بغياب الرموز القيادية، سواء الحزبية، أو الاجتماعية من الميدان، أصحاب هذا الرأي نسوا أو تناسوا أن هناك إعلاماً جديداً فرض سطوته بقوة على الساحة، وأصبح هو المحرك الأساس لأي حراك اجتماعي، بعد أن سحب البساط من الإعلام التقليدي، وأصبح المؤثر الأقوى في حياة الناس.
الإعلام الجديد الذي يتمثل في شبكة الإنترنت وما يدار عبرها من مواقع، وبأجهزة الهاتف الجوال، هو الذي يتسيد الساحة، ويستطيع من يدرك أهميته وخطورته أن يحرك جموعاً كبيرة من الناس، وهو جالس في منزله، أو مكتبه، وفي أي مكان من العالم.
الإعلام الجديد شبه غائب عن الحكومات العربية، والبعض ينظر إليه على أنه إعلام تسلية وتزجية وقت، من غير إدراك لخطورته، وما يتم عبره من تمرير رسائل، تنتشر في دقائق بين مئات الآلاف من المتلقين.
من كان يوجه تلك المظاهرات في مصر وتونس، هم من يقبعون أمام أجهزة الكمبيوتر فرادى وجماعات، ويديرون مواقع على الفيسبوك وتويتر والمدونات والمنتديات والمواقع الشخصية، ويستطيعون إيصال رسائلهم إلى مئات الآلاف من المشتركين، الذين يتأثرون بما يُطرح من خبر، أو تحليل، أو رأي، أو صورة، أو لقطة فيديو، ثم ينقلون ما شاهدوه إلى الآخرين في متوالية هندسية تتصاعد أرقامها سريعا، وخلال وقت قصير.
الإعلام الجديد يجب أن يكون حاضراً لدى الحكومات، ليس بالمنع وإنما لمعرفة حراك المجتمع وتوجهاته، وما يعانيه من مشكلات، كما يجب أن يكون حاضرا لمعرفة خلفيات ما يقع من أحداث وما ترتكبه بعض القطاعات من أخطاء، أو تقصير، بحيث يكون ما يبث عبر وسيلة مهمة تضاف إلى وسائل استقصاء الحقائق، أو إلى ملفات التحقيق.
الإعلام الجديد، مرآة يمكن من خلاله معرفة هموم المجتمع وما يقلقه، وما يحمله من أمان، وعبر رصد ما يجري فيه من حوارات وما يبث عبره من معاناة، يمكن تجنيب المجتمع مشكلات خطيرة، تظل فترة من الزمن تتفاعل بعيداً عن أعين من بيدهم القرار، حتى تصل إلى وضع خطير يصعب علاجه.
ولهذا فمن المهم أن يكون لهذا الإعلام الجديد جهازٌ عالي المستوى من الكفاءات القادرة على متابعة ما يجري فيه، لحل كثير من القضايا التي تتفاعل عبر هذا الإعلام قبل أن تختطف، أو تخترق لتوجه وجهة سيئة، إضافة إلى أن هذا الإعلام وسيلة مهمة لقياس الرأي تجاه أي إجراء يتخذ، أو مشروع ينفذ.
إن أهمية الإعلام الجديد، جعلت كثيراً من وسائل الإعلام الأخرى تعمد إليه لمتابعة حراك المجتمع، فتنقل منه الصورة والخبر، كما جعل هذا الإعلام دولا كبرى تتدخل في قضايا داخلية لدول أخرى، فتحذر من فرض قيود على هذا الإعلام، ليس حرصا على الحريات العامة، وإنما رغبة في مراقبة ما يجري في المجتمع من حراك، فهل ندرك خطورة هذا الإعلام الجديد؟